ودفن، ثم صاروا من فَوْرهم إلى دار العامة؛ ولم يكن لقِّب المتوكل.
وذكر أنه كان يوم بُويع له ابنَ ست وعشرين سنة؛ ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر؛ وكان الذي كتب البيعة له محمد بن عبد الملك الزيات؛ وهو إذ ذاك على ديوان الرسائل؛ واجتمعوا بعد ذلك على اختيار لقب له، فقال ابن الزيات: نسمّيه المنتصر بالله؛ وخاض الناس فيها حتى لم يشكّوا فيها، فلما كان غداة يوم بكّر أحمد بن أبي دواد إلى المتوكل، فقال: قد روّيت في لقب أرجو أن يكون موافقًا حسنًا إن شاء الله؛ وهو المتوكل على الله، فأمر بإمضائه، وأحضر محمد بن عبد الملك، فأمر بالكتاب بذلك إلى الناس، فنفذت إليهم الكتب، نسخة ذلك:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ أمرَ - أبقاك الله - أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، أن يكون الرّسمُ الذي يجرى به ذكرُه على أعواد منابرِه، وفي كتبه إلى قضاته وكُتّابه وعمّاله وأصحاب دواوينه وغيرهم مِنْ سائر مَنْ تجرى المكاتبة بينه وبينه:"من عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين"؛ فرأيك في العمل بذلك وإعلامي بوصول كتابي إليك موفقًا إن شاء الله.
وذُكِر أنه لما أمر للأتراك برزق أربعة أشهر وللجند والشاكريّة ومَنْ يجرى مجراهم من الهاشميين برزق ثمانية أشهر، أمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر، فأبوْا أن يقبضوا، فأرسل إليهم: من كان منكم مملوكًا؛ فليمض إلى أحمد بن أبي دواد حتى يبيعَه؛ ومن كان حرًّا صيرناه أُسْوَة الجند؛ فرضُوا بذلك؛ وتكلم وصيف فيهم حتى رضي عنهم؛ فأَعْطُوا ثلاثة، ثم أجروا بعد ذلك مُجْرَى الأتراك. وبويع للمتوكل ساعة مات الواثق بيعة الخاصة وبايعته العامّة حين زالت الشمس من ذلك اليوم.
وذكر عن سعيد الصَّغير أن المتوكل قبل أن يُستخلف ذكر له ولجماعة معه أنه رأى في المنام أن سكَّرًا سليمانيًّا يسقط عليه من السماء، مكتوبًا عليه "جعفر المتوكل على الله"، فعبَّرها علينا، فقلنا: هي والله أيها الأمير أعزّك الله الخلافة، قال: وبلغ الواثق ذلك فحبسه، وحبس سعيدًا معه، وضيَّق على جعفر بسبب ذلك.