وقد شحن ابن إبراهيم الجسر بالجُنْد والشاكريّة، وخرج في خاصّته، وطُرِح له بالياسرية صُفَّة، فجلس عليها حتى قالوا: قد قَرُب منك. فركب فاستقبله؛ فلما نظر إليه أهوى إسحاق لينزل، فحلف عليه إيتاخ ألّا يفعل.
قال: وكان إيتاخ في ثلاثمائة من أصحابه وغلمانه، عليه قَباء أبيض، متقلّدًا سيفًا بحمائل، فسارا جميعًا؛ حتى إذا صارا عند الجسر تقدّمه إسحاق عند الجسر، وعبرَ حتى وقف على باب خُزيمة بن خازم، وقال لإيتاخ: تدخل أصلح الله الأمير! وكان الموكَّلون بالجْسر كلما مرَ بهم غلام من غلمانه قدّموه؛ حتى بقيَ خاصّة غلمانه، ودخل بين يديه قوم، وقد فرشت له دار خزيمة، وتأخّر إِسحاق، وأمر ألّا يدخل الدار من غلمانه إلا ثلاثة أو أربعة، وأخذت عليه الأبواب، وأمر بحراسته من ناحية الشطّ، وكسرت كل درجة في قصر خُزيمة بن خازم، فحين دخل أغلق الباب خلفه، فنظر فإذا ليس معه إِلّا ثلاثة غلمان، فقال: قد فعلوها! ولو لم يؤخذ ببغداد ما قدروا على أخذه؛ ولو دخل إلى سامراء، فأراد بأصحابه قتلَ جميع من خالفه أمكنه ذلك. قال: فأتِيَ بطعام قرب الليل، فأكل فمكث يومين أو ثلاثة، ثم ركب إسحاق في حرّاقة وأعدّ لإيتاخ أخرى، ثم أرسل إليه أن يصير إلى الحرّاقة، وأمر بأخذ سيفه، فحدَروه إلى الحرّاقة، وصُيِّرَ معه قوم في السلاح وصاعَدَ إسحاق، حتى صار إلى منزله، وأخرج إيتاخ حين بلغ دار إسحاق، فأدخِل ناحية منها، ثم قيِّد فأثقِل بالحديد في عُنقه ورجليه، ثم قدِّم بابنيه منصور ومظفر، وبكاتبيه سليمان بن وهبْ وقدامة بن زياد النصرانيّ بغداد. وكان سليمان على أعمال السلطان، وقدامة على ضياع إيتاخ خاصّة، فحبِسوا ببغداد؛ فأما سليمان وقُدامة فضُرِبا، فأسلم قُدامة وحُبس منصور ومظفر.
وذكر عن تُرْك مولى إِسحاق أنه قال: وقفت على باب البيت الذي فيه إيتاخ محبوس، فقال لي: يا ترك، قلت: ما تريد يا منصور؟ قال: أقريء الأمير السلام، وقل له: قد علمتَ ما كان يأمرني به المعتصم والواثق في أمرك؛ فكنت أدفع عنك ما أمكنني؛ فلينفعْني ذلك عندك؛ أما أنا فقد مرّ بي شدّة ورخاء؛ فما أبالي ما أكلت وما شربت، وأمّا هذان الغلامان؛ فإنهما عاشا في نعمة ولم يعرفا البؤس، فصيّرْ لهما مَرَقة ولحمًا وشيئًا يأكلان منه. قال ترْك: فوقفتُ على