الممدود بين الله وبين خلقه؛ وإن لي فيك لظنَّيْن أسبقهما إلى قلبي أوْلاهما بك؛ وهو العفو؛ ثم اندفع بلا فضل، فقال:
أَبَى الناسُ إلا أَنك اليومَ قاتِلِي ... إِمامَ الهُدَى والصفح بالناسِ أَجمَلُ
وهل أَنا إِلا جُبلةٌ من خَطيَّةٍ ... وعفوك من نور النبوَّةِ يُجْبَلُ
فإنَّك خيرُ السابقين إِلى العُلَا ... ولا شك أن خير الفعالين تفعل
قال عليّ: ثم التفت إليّ المتوكل، فقال: إن معه لأدبًا، وبادرت فقلت: بل يفعل أمير المؤمنين خيرَهما ويمنّ عليك؛ فقال: ارجع إلى منزلك.
وحدّثني .... أنه أنشدني بالمراغة جماعة من أشياخها أشعارًا لابن البعيث بالفارسية، ويذكرون أدبه وشجاعته، وله أخبار وأحاديث.
وحدّثني بعضُ مَنْ ذكر أنه شهد المتوكّل حين أتيَ بابن البَعِيث، وكلّمه ابن البَعيث بما كلَّمه به، فتكلّم فيه المعتزّ؛ وهو جالس مع أبيه المتوكل، فاستوهبه فُوهِب له، وعُفي عنه.
وكان ابن البَعيث حين هرب قال:
كمْ قد قضيت أمورًا كان أَهمَلَها ... غيرِي وقد أَخذ الإِفلاسُ بالكَظَم
لا تَعْذِلِينِيَ فيما ليس ينفعُني ... إِليكِ عني جَرى المِقدارُ بالقَلمِ
سأتلِفُ المالَ في عُسرٍ وفي يُسرٍ ... إِن الجوَادَ الذي يُعْطِي على العدَمِ
وكان ابن البعيث حين هرب خلّف في منزله ثلاثة بنين له، يقال لهم: البَعيث وجعفر وحَلْبس، وجواريَ، فحبِسوا ببغداد في قصر الذّهب، فتكلّم بُغا الشرابيّ بعد موت ابن البعيث - ومات بعد دخوله سامراء بشهر - في أبي الأغرّ خَتنَه، فأطلِق وأطلقتْ خالةٌ لابن البعيث، فخرجتْ من السجن، فماتت فرحًا من يومها، وبقي الباقون في الحبس.
وذكر أنّ ابن البعيث صُيِّر في عنقه مائة رطل، فلم يزل مكبوبًا على وجهه حتى مات.
ولما أخِذ ابنُ البعيث أخرِج من الحبس مَنْ كان محبوسًا بسبب كفالته به، وقد كان بعضهم مات، في الحبْس، فأخرج بعدُ باقي عياله وصُيِّرَ بنوه: حَلْبسَ