وكَرْمى، وحمل أهلها على بيع منازلهم وأرضهم، فأجبِروا على ذلك حتى يكون الأرض والمنازل في تلك القرى كلها له، ويخرجهم عنها، وقدَّر للنهر من النفقة مائَتي ألف دينار، وصيَّر النفقة عليه إلى دُليل بن يعقوب النصرانيَّ كاتب بغا في ذي الحجة من سنة خمس وأربعين ومائتين، وألقى في حفر النهر اثني عشر ألف رجل يعملون فيه؛ فلم يزل دُليل يعتمل فيه، ويحمل المال بعد المال ويقسم عامَّته في الكتاب، حتى قتِل المتوكل، فبطل النهر، وأخربت الجعفريّة، ونقضت ولم يتمَّ أمر النهر.
* * *
وزلزلت في هذه السنة بلاد المغرب حتى تهدَّمت الحصون والمنازل والقناطر؛ فأمر المتوكل بتفوقة ثلاثة آلاف درهم في الذين أصيبوا بمنازلهم، وزلزل عسكر المهدي ببغداد فيها، وزلزلت المدائن.
* * *
وبعث ملك الروم فيها بأسْرَى من المسلمين؛ وبعث يسأل المفاداة بمن عنده؛ وكان الذي قدم من قِبَل صاحب الروم رسولًا إلى المتوكِّل شيخًا يدعى أطروبيليس معه سبعة وسبعون رجلًا من أسرى المسلمين، أهداهم ميخائيل بن تَوْفيل ملك الروم إلى المتوكِّل، وكان قدومه عليه لخمس بقين من صفر من هذه السنة، فأنزل على شُنيف الخادم. ثم وجَّه المتوكل نصر بن الأزهر الشيعيَّ مع رسول صاحب الروم، فشخص في هذه السنة، ولم يقع الفداء إلا في سنة ست وأربعين.
وذكر أنه كانت في هذه السنة بأنطاكيَة زلزلة ورجْفة في شوَّال، قتلت خلقًا كثيرًا، وسقط منها ألف وخمسمائة دار، وسقط من سورها نيِّف وتسعون برجًا، وسمعوا أصواتًا هائلة لا يحسنون وصفَها من كُوى المنازل، وهرب أهلها إلى الصحاري، وتقطَّع جبلها الأقرع، وسقط في البحر؛ فهاج البحر في ذلك اليوم؛ وارتفع منه دخان أسود مظلم منتن، وغار منها نهر على فرسخ لا يدرى أين ذهب.
وسمع فيها - فيما قيل - أهلُ تِنيِّس في مصر ضجَّة دائمة هائلة، فمات منها خلق كثير.