وذكر عن نصر بن الأزهر الشِّيعيِّ - وكان رسول المتوكل إلى ملك الروم في أمر الفداء - أنه قال: لمَّا صرتُ إلى القسطنطينية حضرت دار ميخائيل الملك بسوادي وسيفي وخنجري وقلنسوتي، فجرت بيني وبين خال الملك بطرناس المناظرة - وهو القيّم بشأن الملك - وأبوْا أن يدخلوني بسيفي وسوادي، فقلت: أنصرف، فانصرفت فرُددِتُ من الطريق ومعي الهدايا نحو من ألف نافجة مسك وثيابٌ حريرٌ وزعفران كثير وطرائف، وقد كان أذن لوفود بُرْجان وغيرهم ممن ورد عليه، وحمُلت الهدايا التي معي، فدخلت عليه، فإذا هو على سرير فوق سرير، وإذا البطارقة حوله قيام، فسلمت ثم جلست على طرف السرير الكبير، وقد هُيئ لي مجلس، ووضعت الهدايا بين يديه، وبين يديه ثلاثة تراجمة: غلام فرَّاش كان لمسرور الخادم، . وغلام لعباس بن سعيد الجوهريّ، وترجمان له قديم يقال له سُرْحُون؛ فقالوا لي: ما نبلَّغه؟ قلت: لا تزيدون على ما أقول لكم شيئًا؛ فأقبلوا يترجمون ما أقول، فقبل الهدايا ولم يأمر لأحد منها بشيء، وقرَّبني وأكرمني، وهيأ لي منزلًا بقربه؛ فخرجت فنزلت في منزلي، وأتاه أهل لؤلؤة برغبتهم في النصرانية، وأنهم معه، ووجهَّوا برجلين ممَّن فيها رهينة من المسلمين.
قال: فتغافل عني نحوًا من أربعة أشهر؛ حتى أتاه كتاب مخالفة أهل لؤلؤة، وأخذهم رسلَه واستيلاء العرب عليها، فراجعوا مخاطبتي، وانقطع الأمر بيني وبينهم في الفِداء؛ على أن يعطوا جميع مَنْ عندهم وأعطي جميع مَنْ عندي؛ وكانوا أكثر من ألف قليلًا؛ وكان جميع الأسرى الذين في أيديهم أكثر من ألفين؛ منهم عشرون امرأة؛ معهنَّ عشرة من الصبيان، فأجابوني إلى المخالفة؛ فاستحلفت خالَه، فحلف عن ميخائيل، فقلت: أيها الملك قد حلف لي خالك؛ فهذه اليمين لازمة لك؟ فقال برأسه: نعم، ولم أسمعه يتكلم بكلمة منذ دخلُت بلاد الروم إلى أن خرجت منها، إنما يقول الترجمان وهو يسمع، فيقول برأسه: نعم أوْلا، وليس يتكلَّم وخالُه المدبَّر أمَره، ثم خرجت من عنده بالأسْرى بأحسن حال؛ حتى إذا جئنا موضع الفِداء أطلقنا هؤلاء جملة وهؤلاء جملة؛ وكان عِداد ممَنْ صار في أيدينا من المسلمين أكثر من ألفين منهم عدَّة ممن كان تنصَّر وصار في أيديهم أكثر من ألف قليلًا؛ وكان قوم تنصَّروا؛ فقال لهم ملك الروم: لا أقبل منكم حتى تبلغوا موضع الفداء، فمن أراد أن أقبله في النصرانية فليرجع