وكانت الأموال التي ترد على السلطان من الآفاق إنما يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة الأنفس، فعمِد أوتامش إلى ما في بيوت الأموال من الأموال فاكتسحه؛ وكان المستعين قد جعل ابنَه العباس في حِجْر أوتامش؛ فكان ما فضَل من الأموال عن هؤلاء الثلاثة الأنفس يؤخذ للعباس، فيصرَف في نفقاته وأسبابه - وصاحب ديوان ضياعه يومئذ دَليْل - فاقتطع من ذلك أموالًا جليلة لنفسه؛ وجعلت الموالي تنظر إلى الأموال تُستهلك؛ وهم في ضيقة، وجعل أوتامش وهو صاحب المستعين وصاحب أمره، والمستولى عليه يُنفِذُ أمور الخلافة؛ ووصيف وبُغا من ذلك كلِّه بمعزل، فأغريا الموالى به، ولم يزالا يدبّران الأمر عليه حتى أحكما التدبير، فتذمّرت الأتراك والفراغنة على أوتامش، وخرج إليه منهم يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر من هذه السنة أهل الدُّور والكرْخ، فعسكروا وزحفوا إليه وهو في الجَوْسق مع المستعين.
وبلغه الخبر، فأراد الهرب، فلم يمكنه واستجار بالمستعين فلم يجِرْه فأقاموا على ذلك من أمرهم يوم الخميس ويوم الجمعة؛ فلما كان يوم السبت دخلوا الجوسق، فاستخرجوا أوتامش من موضِعه الذي تَوارى فيه، فقتِل وقتل كاتبُه شجاع بن القاسم، وانتهبت دار أوتامش، فأخذ منها - فيما بلغني - أموالٌ جليلة ومتاع وفرش وآلة.
ولما قُتل أوتامش استوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد، وعزل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج، ووليه عيسى بن فرّخانشاه، وولى وصيف الأهواز، وبغا الصغير فلَسطين في شهر ربيع الآخر، ثم غضب بغا الصغير وحزبُه على أبي صالح بن يزداد، فهرب أبو صالح إلى بغداد في شعبان، وصيّر المستعين مكانه محمد بن الفصل الجرجرائيّ: فصيّر ديوان الرسائل إلى سعيد بن حُميد رياسةً، فقال في ذلك الحمدونيّ:
لَبِسَ السَّيفَ سعيدٌ بعدما ... عاش ذا طِمْرَيْنِ لا نَوْبَةَ لَهُ