وباغر صاحبَه بذلك السبب، وباغر شجاع بطل معروف القَدْر في الأتراك، يتوقّاه بُغا وغيره، ويخافون شرّه.
فذكِر أنّ باغر جاء يوم الثلاثاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة خمسين ومئتين إلى بُغا، وبُغا في الحمام، وباغر سكران شديد السكر، وانتظره حتى خرج من الحمام، ثم دخل عليه، فقال له: والله مامن قتل دُليل بُدٌّ ثم سبّه، فقال له بغا: لو أردتَ قتل ابني فارسي ما منعتُك، فكيف دليل النصرانيّ! ولكنّ أمري وأمر الخلافة في يديْه فتنتظر حتى أصيِّر مكانه إنسانًا، وشأنَك به، ثم وجّه بُغا إلى دُلَيل يأمره ألَّا يركب؛ وقيل: بل تلقاه طبيب لبُغا، يقال له ابن سرجويه، فأخبره بالقصّة، فرجع إلى منزله، فاستخفى، وبعث بُغا إلى محمد بن يحيى بن فيروز، وكان ابن فيروز يكتب له قبل ذلك، فجعله مكان دُلَيل، فيوهم باغر أنه قد عزل دُليلًا؛ فسكن باغر، ثم أصلح بُغا بين دُلَيل وباغر، وباغر يتهدّدُ دليلًا بالقَتْل إذا خلا بأصحابه، ثم تلطّف باغر للمستعين، ولزم الخدمة في الدار، وكره المستعين مكانَه؛ فلمّا كان يوم نوبة بُغا في منزله قال المستعين: أيّ شيء كان إلى إيتاخ من الأعمال؟ فأخبره وصيف، فقال: ينبغي أن تصيّروا هذه الأعمال إلى أبي محمد باغر، فقال وصيف: نعم، وبلغت القصة دُليلًا، فركب إلى بُغا فقال له: أنت في بيتك؛ وهم في تدبير عزلك عن كلّ أعمالك؛ فإذا عُزلت فما بقاؤك إلَّا أن يقتلوك! فركب بُغا إلى دار الخلافة في اليوم الذي نَوْبته في منزله بالعشيّ، فقال لوصيف: أردتَ أن تُزِيلني عن مرتبتي، وتجيء بباغر فتصيّره مكاني؛ وإنما باغر عبدٌ من عبيدي ورجل من أصحابي، فقال له وصيف: ما علمتُ ما أراد الخليفة من ذلك، فتعاقد وصيف وبُغا على تنْحِية باغر من الدار والاحتيال له، وأرجفوا له أن يؤمّر ويضَمّ إليه جيش سوى جيشه؛ ويُخْلَع عليه، ويُجلَس في الدار مجلس بُغا ووصيف - وهما يسمَّيان الأميرين - ودافعوه بذلك، وإنما كان المستعين تقرّب إليه بذلك ليأمن ناحيته، فأحسَّ هو ومن في ناحيته بالشرّ، فجمع إليه الجماعة الذين كانوا بايعوه على قتل المتوكل أو بعضها مع غيرهم؛ فلمّا جمعهم ناظرهم ووكّد البيعة عليهم كما وكّدها في قتل المتوكل، فقالوا: نحن على بيعتنا، فقال: الزموا الدّار حتى نقتل المستعين وبُغا ووصيفًا، ونجيء بعليّ بن المعتصم أو بابن الواثق، فنُقعده خليفة حتى يكون الأمر لنا،