منكسرين؛ فلما انتشر الخبر بخروج المستعين صار الأتراك إلى دور دُليل ابن يعقوب ودور أهل بيته ممن قرب منه وجيرانه، فانتهبوا ما فيها حتى صاروا إلى الخشب والدّوْرَانْدات؛ وقتلوا ما قدروا عليه من البغال، وانتهبوا علَف الدوابّ الخمر التي في خزانة الشراب؛ ودفع عن دار سلمة بن سعيد النصرانيّ جماعة كان وكّلهم بها؛ من المصارعين وغيرهم من جيرانهم، ومنعوهم من دخول الدار؛ لأنهم أرادوا دار إبراهيم بن مهران النصرانيّ العسكريّ، فدفعوهم عنها، وسلِم سلمة وإبراهيم من النهب.
وقال في قتل باغر والفتنة التي هاجت بسببه بعض الشعراء، ذُكر أن قائله أحمد بن الحارث اليماميّ:
لعمري لئن قَتلوا باغرًا ... لقد هاج باغِرُ حربًا طَحُونَا
وفَرَّ الخليفةُ والقائدَانِ ... بالليلِ يلتمسانِ السَّفِينا
وصَاحُوا بِمَيْسَانَ مَلَّاحِهِمْ ... فجاءَهُمُ يَسبِقُ الناظرينَا
فأَلزَمَهمْ بطنَ حَرَّاقةٍ ... وصرَّتْ مَجَاذيفهم سَائِرينَا
وما كان قَدْرُ ابنِ مارمَّةٍ ... فتكسبَ فيه الحروب الزَّبونا
ولكنْ دُليلٌ سَعَى سَعْيَةً ... فأخْزَى الإِلهُ بها العالمينا
فحَلَّ ببغدادَ قبل الشّروقِ ... فحلَّ بها منه ما يَكرهُونا
فليتَ السَّفينةَ لم تأْتِنا ... وغرَّقها اللهُ والرَّاكِبينَا
وأقبلتِ التركُ والمَغربونَ ... وجاءَ الفراغِنةُ الدَّارعونا
تَسيرُ كراديسُهُمْ في السِّلاحِ ... يَرُوحونَ خيلًا ورَجْلا ثبِينا
فقامَ بحربِهمُ عالمٌ ... بأَمرِ الحُروب تولَّاهُ حِينَا
فجدَّدَ سورًا على الجانبـ ... ـيْنِ حتَّى أحاطَهُمْ أجمعينا
وأحكَمَ أبوابَها المُصمتَاتِ ... على السُّورِ يَحمِي بها المُسْتَعِينا
وهيّا مَجَانيقَ خَطَّارَةً ... تُفِيتُ النفوسَ وتحْمِي العرينا
وعَبَّى فَرْوضًا وجَحشِيَّة ... ألوفَ ألوفٍ إذ تحْسُبُونا
وعبّى المجانيقَ منظومةً ... على السور حتى أَغار العيونا
فذكر أنهم لما قدموا بغداد اعتلَّ ابن مارمّة، فعاده دُليل بن يعقوب، فقال له: ما سببُ علّتك؟ قال: عَقرُ القيد انتقض عليّ، فقال دُليل: لئن عقرك القَيْد؛