إليه بندار ومظفر بن سيسل مَسْلَحة، فلما صارا بدسْكرة الملك أقاما؛ فذُكرِ أنّ بندار خرج في آخر يوم من شهر رمضان متصيّدًا، فبَعُد في طلب الصّيْد حتى جاوز دُور الدّسْكرة بنحو فرسخ؛ فبينا هو كذلك، إذ نظر إلى عَلَمين مقبلين معهما جماعة مُقْبلة نحو الدّسْكرة، فوجّه بعض أصحابه لينظر ما الأعلام؛ فأخبره صاحب الجماعة أنه عامل كَرْخ جُدّان، وأنه انتهى إليه أنّ رجلًا يقال له مساور بن عبد الحميد من الدّهاقين من أهل البوازيج شَرَى، وأنه بلغه أنه يصير إلى كَرْخ جُدّان؛ فلما بلغه ذلك خرج هاربًا إلى الدّسْكرة ليأنس بقرب بندار ومظفر؛ فانصرف بُندار من ساعته إلى المظفّر فقال له: إن الشاري يقصد كَرْخ جُدّان، ويريدنا؛ فامض بنا نتلقّاه، فقال له المظفّر: قد أمسينا ونريد أن نصلّيَ الجمعة، وغدًا العيد؛ فإذا انقضى العيد قصدناه، فأبى بُندار، ومضى من ساعته طمعًا بالمظفر الشارِي وحده دون مظفّر؛ فأقام مظفر ولم يبرح من الدّسكرة - وبين الدسكرة وتَلْ عُكْبرَاء ثمانية فراسخ، وبين تل عُكْبرَاء وموضع الوقعة أربعة فراسخ - فصار بُندار إلى تلّ عُكبراء، فوافاها عند العَتمة ليلة الفطر، فعلف دوابه شيئًا، ثم ركب، فسار حتى أشرف على عسكر الشاري ليلًا وهم يصلّون ويقرؤون القرآن؛ فأشار عليه بعضُ أصحابه وخاصّته أن يبيّتهم وهم غارُّون، فأبى وقال: لا؛ حتى أنظر إليهم وينظروا إليّ، فوجّه فارسيْن أو ثلاثة ليأتُوه بخبرهم؛ فلمّا قرُبوا من عسكرهم نَذِروا بهم، فصاحوا: السلاح! وركبوا فتواقَفُوا إلى أن أصبحوا، ثم اقتتلوا فلم يمكن أصحابَ بندار أن يرموا بَسَهْم واحد، وكانوا زهاء ثلثمئة فارس وراجل فعبّاهُم ميمنة وميسرة وساقة، وأقام هو في القلب، فحمل عليهم مساور وأصحابُه، فثبت لهم بُندار وأصحابه؛ ثم انحدر لهم الشّراة عن موضع عسكرهم ومبيتهم؛ ليطمع بندار وأصحابه في النَّهْب، فلم يعرض بُندار وأصحابه لعسكرهم، ثم كرّ الشُّرَاة عليهم بالسيوف والرماح، وهم زهاء سبعمئة؛ فصبر الفريقان، فصار الشراة إلى السيوف دون الرماح فقتِل من الشُّراة نحو من خمسين رجلًا، ومن أصحاب بندار مثلهم، ثم حمل الشراة حملةً، فاقتطعوا من أصحاب بُندار نحوًا من مئة رجل، فصبر لهم المئة ساعة، ثم قُتِلوا جميعًا، وانهزم بُندار وأصحابه، فجعلوا يقتطعونهم قطعة بعد قطعة فيقتلونهم، وأمعن بُندار في الهَرب، فطلبوه فلحقوه بقرب تلّ عُكْبرَاء على قَدْر أربعة فراسخ من موضع الوقعة؛ فقتلوه ونصبوا رأسَه، ونجا مِنْ