للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلمَه أنه لا سبيل له إلى الرجوع إلى مدينة السلام؛ ولا إلى تولّي شيء من الأمور التي يتولّاها لسليمان.

فلمّا تناهى الخبرُ إلى ابن أوْس رحل من الشّماسيّة فصار في رَقّةِ البرَدان على دجْلَة، فأقام بها أيامًا حتى اجتمع إليه مَنْ تفرّق من أصحابه، ثم رحل فنزل النَّهروان؛ فلم يزل بها مقيمًا، وقد كان كتب إلى بايكباك وصالح بن وصيف يعرِض عليهما نفسه، ويشكو إليهما ما نزل به؛ فلم يجد عندهما شيئًا مما قصد؛ وقد كان محمد بن عيسى بن عبد الرحمن مقيمًا بسامرّا لينجز أمورَ سليمان، وكان كارهًا لابن أوْس، منحرفًا عنه، وكان ابن أوْس مضطرب الأمر لسوء محْضر محمد بن عيسى الكاتب؛ فلما انقطعت عن ابن أوس وأصحابه المادّة، تعبَّثوا بأهل القُرى والسابلة، وأكثروا الغارات والنهب، ورحل حتى نزل النّهروان.

فذُكِر عن بعض مَنْ قصدوه لينتهبوه، فذكّرهم المعاد، وخوّفهم الله: أنهم ردّوا عليه أن قالوا له: إن كان النهب والقتل جائزًا في مدينة السلام؛ وهي قبّة الإسلام ودار عز السلطان، فما استنكارُ ذلك في الصحاري والبراري! ثم رحل ابنُ أوس عن النَّهروان بعد أن أثَّر في تلك الناحية آثارًا قبيحة، وأخذ أهلَ البلاد بأداء الأموال، وحمل منها الطعام في السفن في بطن النّهروان إلى إسكاف بني جنيد لبيعه هناك.

وكان محمد بن المظفّر بن سيسل بالمدائن، فلمّا بلغه مصيرُ ابنِ أوس إلى النَّهروان صيّر إقامته بالنّعمانية من عمل الزوابي خوفًا على نفسه منه لحضور أبيه كان في يوم الوقعة.

فذُكِر عن محمد بن نصر بن منصور بن بسام - وعبرتا ضيعتُه -: أنّ وكيله انصرف عنها هاربًا بعد أن أدّى إلى ابن أوس تحت العذاب وخوف الموت قريبًا من ألف وخمسمئة دينار؛ ولم يزل ابن أوس مقيمًا هناك، يقرّب ويباعد، ويقبض ويبسط، ويشتدّ ويلين، ويرهب؛ حتى أتاه كتاب بايكباك بولاية طريق خراسان من قِبَله، فكان من وقت خروجه من مدينة السلام إلى وقت ورود الكتاب عليه بالولاية شهران وخمسة عشر يومًا.

وذُكر عن بعض ولد عاصم بن يونس العِجليّ أن أباه كان يتولّى ضياعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>