شغلوا بخمور وأنبذة وجدوها في القادسيّة؛ فصار ومعه محمد بن سلم ويحيى بن محمد إليهم، فأعلمهم أنّ ذلك مما لا يجوز لهم، وحرّم النبيذ في ذلك اليوم عليهم، وقال لهم: إنكم تلاقون جيوشًا تقاتلونهم، فدعوا شُرب النجيذ والتشاغل به، فأجابوه إلى ذلك؛ فلما أصبح جاءه غلام من السودان، يقال له: قاقويه، فأخبره أن أصحاب رُميس قد صاروا إلى شرقيّ دُجيل، وخرجوا إلى الشطّ، فدعا عليّ بن أبان، فتقدم إليه أن يمضِيَ بالزّنج، فيوقع بهم؛ ودعا مشرقًا، فأخذ منه إصطرلابًا، فقاس به الشمس، ونظر في الوقت، ثم عبر وعبر الناس خلفَه القنطرة التي على النهر المعروف ببرَد الخيار؛ فلما صاروا في شرقيّه، تلاحق الناس بعليّ بن أبان، فوجدوا أصحاب رُميس وأصحاب عَقيل على الشطّ، والدَّبيلا في السفن يرمون بالنُّشاب، فحملوا عليهم؛ فقتلوا منهم مقتلةً عظيمة، وهبّتْ ريح من غربيّ دُجيل، فحملت السفن، فأدنتها من الشطّ، فنزل السودان إليها، فقتلوا مَنْ وجدوا فيها، وانحاز رُميس ومَنْ كان معه إلى نهر الدير على طريق أقشى، وترك سفنه لم يحرّكها ليظنّ أنه مقيم، وخرج عَقيل وصاحب ابن أبي عون إلى دِجْلة مبادريْن؛ لا يلويان على شيء.
وأمر صاحب الزَّنْج بإخراج ما في السفن التي فيها الدَّبيلا؛ وكانت مقرونةً بعضها ببعض، فنزل فيها قاقويه ليفتّشها، فوجد رجلًا من الدَّبيلا، فحاول إخراجَه فامتنع عليه، وأهوى إليه بسُرتَي كان معه؛ فضربه ضربة على ساعده، فقطع بها عِرقًا من عروقه، وضربه ضربةً على رجله، فقطعتْ عصبةً من عصبه، وأهوى له قاقويه، فضربه ضربةً على هامته فسقط، فأخذ بشعره، واحتزّ رأسه؛ فأتى به صاحب الزّنج، فأمر له بدينار خفيف، وأمر يحيى بن محمد أن يقوِّدَه على مئة من السودان، ثم سار صاحب الزَّنج إلى قرية تعرف بالمهلبيّ تقابل قَيَّاران، ورجع السودان الذين كانوا اتّبعوا عَقيلًا وخليفة ابن أبي عون، وقد أخذ سُميريّة فيها ملّاحان؛ فسألهم عن الخبر، فقالوا: اتّبعناهم فطرحوا أنفسهم إلى الشطّ، وتركوا هذه السميريّة، فجئنا بها.
فسأل الملّاحيْن، فأخبراه أن عقيلًا حملهما على اتباعه قهرًا، وحبس نساءهما حتى اتّبعاه، وفعل ذلك بجميع مَنْ تبعه من الملّاحين؛ فسألهما عن سبب مجيء الدّبيلا، فقالا: إنّ عقيلًا وعدهم مالًا؛ فتبعوه؛ فسألهما عن السفن