من أن يطمع فيه الزَّنْج وفيمن بإزائهم من أصحابه وهم بسبخة نهر منكى، وتأمل الزّنج تفرق أصحاب أبي أحمد عنه، وعرفوا موضعه، فكثروا عليه، واستعَرَت الحرب، وكثر القتل والجراح بين الفريقين وأحرق أصحاب أبي أحمد قصورًا ومنازل من منازل الزَّنْج، واستنقذوا من النساء جمعًا كثيرًا، وصرف الزَّنج جمعهم إلى الموضع الذي كان فيه أبو أحمد فظهر الموفّق على الشَّذَا، وتوسَّط الحرب محرّضًا أصحابه حتى أتاه مِنْ جمع الزَّنْج ما عَلِمَ أنه لا يقاومَ بمثل العدّة اليسيرة التي كان فيها، فرأى أنّ الحزم في محاجزتهم، فأمر أصحابه عند ذلك بالرجوع إلى سفنهم على تُؤدَة ومَهَل، فصار أبو أحمد إلى الشَّذَا التي كان فيها بعد أن استقرّ أكثرُ الناس في سفنهم، وبقيت طائفة من الناس، ولجؤوا إلى تلك الأدغال والمضايق، فانقطعوا عن أصحابهم، فخرج عليهم كُمناء الزَّنج، فاقتطعوهم ووقعوا بهم، فحامَوْا عن أنفسهم، وقاتلوا قتالًا شديدًا، وقتلوا عددًا كثيرًا من الزَّنْج، وأدركتهم المنايا فقتلوا وحَمَلوا إلى قائد الزنج مئة رأس وعشرة أرؤس، فزاد ذلك في عتوّه، ثم انصرف أبو أحمد إلى الباذاوَرْد في الجيش، وأقام يعبي أصحابه للرجوع إلى الزَّنج، فوقعت نار في طرف من أطراف عسكره؛ وذلك في أيام عصوف الريح، فاحترق العسكر، ورحل أبو أحمد منصرفًا، وذلك في شعبان من هذه السنة إلى واسط، فلمَّا صار إلى واسط تفرّق عنه عامة من كان معه من أصحابه.
* * *
ولعشر خلون من شعبان كانت هدَّة صعبة هائلة بالصَّيْمَرَة، ثم سُمع من غد ذلك اليوم - وذلك يوم أحد - هدّة هي أعظم من التي كانت في اليوم الأول، فتهدّم من ذلك أكثر المدينة، وتساقطت الحيطان وهلك من أهلها - فيما قيل - زهاء عشرين ألفًا.
وضرب بباب العامة بسامرّا رجل يعرف بابي فَقْعَس، قامت عليه البيّنة - فيما قيل - بشتم السلف ألف سوط وعشرين سوطًا، فمات وذلك يوم الخميس لسبع خلوْن من شهر رمضان (١).