قالت: وقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس يخطبهم ولا أعلم بذلك. ثم قال: أيّها الناس، ما بالُ رجال يُؤذُونني في أهلِي، ويقولون عليهنّ غير الحقّ! والله ما علمتُ منهنّ إلّا خيرًا، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلَّا خيرًا! وما دخل بيتًا من بيوتي إلَّا وهو معي. قالت: وكان كبْر ذلك عند عبد الله بن أبيّ ابن سَلُول في رجال من الخزرج؛ مع الذي قال مسطح وحَمْنَة بنت جحش - وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [ولم تكن من نسائه امرأة تناصبني في المنزلة عنده غيرها، فأما زينب فعصمها الله، وأما حمنة بنت جحش]، فأشاعت من ذلك ما أشاعت، تضارّني لأختها زينب بنت جحش - فشقِيت بذلك.
فلمَّا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك المقالة، قال أسيد بن حُضَير أخو بني عبد الأشهل: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن يكونوا من الأوْس نكْفكَهُم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرْنا بأمرك؛ فوالله إنَّهم لأهلٌ أن تضرَب أعناقهم. قالت: فقام سعد بن عبادة - وكان قبل ذلك يُرى رجلًا صالحًا - فقال: كذبت لعمر الله لا تضْرَب أعناقهم! أما والله ما قلتَ هذه المقالة إلَّا أنَّك قد عرفت أنَّهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا! قال أسيد: كذبت لعمر الله! ولكنك منافق تجادل عن المنافقين! قالت: وتثاوره النَّاس حتَّى كاد أن يكون بين هذين الحيَّين من الأوْس والخزرج شرّ، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل عليّ، قالت: فدعا عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد؛ فاستشارهما، فأمَّا أسامة فأثنى خيرًا وقاله، ثم قال: يا رسولَ الله، أهلُك، ولا نعلم عليهنّ إلَّا خيرًا؛ وهذا الكذب والباطل. وأمَّا عليّ فإنه قال: يا رسولَ الله؛ إنّ النساء لكثيرٌ؛ وإنك لقادرٌ على أن تستخلف؛ وسل الجازية فإنّها تَصدُقك. فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَريرَة يسألها. قالت: فقام إليها عليّ فضربها ضربًا شديدًا؛ وهو يقول: اصدُقي رسول الله؛ قالت: فتقول: والله ما أعلم إلَّا خيرًا، وما كنت أعيبُ على عائشة؛ إلَا أنِّي كنتُ أعجِن عجيني فآمرها أن تحفظه فتنام عَنه، فيأتي الدّاجن فيأكله.
ثم دخلَ عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي أبَوَايَ، وعندي امرأة من الأنصار؛ وأنا أبكي وهي تبكي معي؛ فجلس فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا عائشة؛ إنَّه قد كان ما بلغك من قول الناس؛ فاتَّقي الله؛ وإن كنتِ قارفْتِ سوءًا ممَّا يقول النَّاس