إليهم أهله، ونشبت الحرب، فظهر الزّنج في ابتداء الأمر على الأكراد، ثم صدّقهم الأكراد، وخذلهم أصحاب محمد بن عبيد الله، فتصدّعوا وانهزموا مفلولين مقهورين؛ وقد كان محمد بن عبيد الله أعدّ لهم قومًا أمرهم بمعارضتهم إذا انهزموا، فعارضوهم وأوقعوا بهم، ونالوا منهم أسلابًا، وأرجلوا طائفة منهم عن دوابّهم فأخذوها، فرجعوا بأسوأ حال، فكتب المهلبيّ إلى الخبيث بما نال أصحابه، فكتب إليه يعنّفه، ويقول: قد كنتُ تقدّمت إليك ألّا تركن إلى محمد بن عبيد الله، وأن تجعل الوثيقة بينك وبين الرّهائن، فتركتَ أمري، واتبعتَ هواك، فذاك الذي أردَاك، وأردى جيشك.
وكتب الخبيث إلى محمد بن عبيد الله، أنه لم يخف عليّ تدبيرُك على جيش عليّ بن أبان، ولن تعدم الجزاء على ما كان منك.
فارتاع محمد بن عبيد الله مما ورد به عليه كتاب الخبيث، وكتب إليه بالتضرّع والخضوع، ووجّه بما كان أصحابه أصابوا من خيل أصحاب عليّ حيث عورضوا وهم منهزمون، فقال: إني صرتُ بجميع مَنْ معي إلى هؤلاء القوم الذين أوقعوا بالخليل وبَهْبُوذ، فتوعّدتهم وأخفتهم، حتى ارتجعت هذه الخيل منهم، ووجّهت بها، فأظهر الخبيث غضبًا، وكتب إليه يتهدده بجيش كتيف يرميه به، فأعاد محمد الكتاب بالتضرّع والاستكانة، فأرسل إلى بَهْبُوذ فضمن له مالًا، وضمن لمحمد بن يحيى الكِرمانيّ مثل ذلك، ومحمد بن يحيى يومئذ الغالب على عليّ بن أبان، والمصرّف له برأيه، فصار بَهْبُوذ إلى عليّ بن أبان، وظاهره محمد بن يحيى الكِرْمانيّ على أمره حتى أصلحا رأي عليّ في محمد بن عبيد الله وسلَّا ما في قلبه من الغَيْظ والحنَق عليه، ثم مضيا إلى الخبيث، ووافق ذلك ورودُ كتاب محمد بن عبيد الله عليه، فصوّبا وصعّدا حتى أظهر لهما الخبيث قبولَ قولهما، والرجوعَ لمحمد بن عبيد الله إلى ما أحبّ، وقال: لست قابلًا منه بعد هذا إلا أن يَخطب لي على منابر أعماله.
فانصرف بَهْبُوذ والكرمانيّ بما فارقهما عليه الخبيث، وكتبا به إلى محمد بن عبيد الله، فأصدر جوابه إلى كلّ ما أراده الخبيث، وجعل يراوغ عن الدّعاء له على المنابر، وأقام عليّ بعد هذا مدّة، ثم استعدّ لمتُّوث، وسار إليها؛ فرامها فلم يطقها لحصانتها وكثرة مَنْ يدافع عنها من أهلها، فرجع خائبًا فاتّخذ سلاليم