جَرْجَرَايا، ثم فم الصِّلح، ثم ركب الظهر، فسار حتى وافى الصِّلح ووجّه طلائعه ليعرف الخبر، فأتاه منهم مَنْ أخبره بموافاة القوم وجمعهم وجيشهم، وأن أولهم بالصِّلح وآخرهم ببستان موسى بن بغا، أسفلَ واسط، فلما عرف ذلك عدل عن سُنن الطريق، واعترض في مسيره، ولقي أصحابه أوائل القوم؛ فتطاردوا لهم حتى طمعوا واغترّوا، فأمعنوا في اتباعهم، وجعلوا يقولون لهم: اطلبوا أميرًا للحرب؛ فإنّ أميركم قد شغَل نفسَه بالصيد، فلمّا قَرُبوا من أبي العباس بالصِّلْح خرج عليهم فيمن معه من الخيل والرّجْل، وأمر فصِيح بنُصير: إلى أين تتأخر عن هؤلاء الأكلب! ارجع إليهم؛ فرجع نُصير إليهم.
وركب أبو العباس سُميرّية، ومعه محمد بن شعيب الإشتيام، وحف بهم أصحابه، من جميع جهاتهم، فانهزموا، ومنح الله أبا العباس وأصحابَه أكتافهم؛ يقتلونهم ويطردونهم حتى وافَوا قرية عبد الله؛ وهي على ستة فراسخ من الموضع الذي لَقُوهم فيه، وأخذوا منهم خمس شَذَوات وعدّة سُميريّات، واستأمن منهم قوم وأسِر منهم أسرى، وغرق ما أدرك من سفنهم؛ فكان ذلك أوّل الفتح على العباس بن أبي أحمد.
ولما انقضت الحربُ في هذا اليوم، أشار على أبي العباس قوّاده وأولياؤه، أن يجعل معسكَرهُ بالموضع الذي كان انتهى إليه من الصِّلح؛ إشفاقًا عليه من مقاربة القوم، فأبى إلّا نُزول واسط.
ولما انهزم سليمان بن جامع ومَنْ معه، وضرب اللهُ وجُوههم، انهزم سليمان بن موسى الشعرانيّ عن نهر أبان؛ حتى وافى سوق الخميس، ولحق سليمان بن جامع بنهر الأمير؛ وقد كان القوم حين لقوا أبا العباس أجالُوا الرّأي بينهم، فقالوا: هذا فتىً حَدثٌ؛ لم تطل ممارسته الحروب وتدرّبه بها، فالرّأي لنا أن نرميَه بحدّنا كلِّه، ونجتهد في أوّل لقية نلقاه في إزالته؛ فلعلّ ذلك أن يروعه، فيكون سببًا لانصرافه عنا، ففعلوا ذلك، وحشدوا واجتهدوا، فأوقع الله بهم بأسَه ونقمته، وركب أبو العباس من غدِ يوم الوقعة، حتى دخل واسطًا في أحسن زيّ، وكان يوم جُمعة، فأقام حتى صلى بها صلاة الجمعة، واستأمن إليه خلق كثير، ثم انحدر إلى العُمْر - وهو على فرسخ من واسط - فقدّم فيه عسكره، وقال: اجعل معسكري أسفلَ واسط، ليأمنَ مَنْ فوقه الزّنج، وقد كان