السميريّات المتقدّمة عدّة، وأسروا أسرى، فانطلقتُ مسرعًا، فناديتُ بصوت عال: قد أخذ القوم سُميريّاتنا، فسمع أبو العباس صوتي وهو يتغدّى، فنهض إلى سُميريّته التي كانت أعدّت له؛ وتقدّم العسكر، ولم ينتظر لحاق أصحابه، فتبعه منهم من خفّ لذلك.
قال: فأدركنا الزّنج، فلمّا رأونا قذف الله الرّعب في قلوبهم، فألقوا أنفسهم في الماء، وانهزموا فتخلّصنا أصحابنا، وحوينا يومئذ إحدى وثلاثين سُميريّة من سُميْريّات الزنج، وأفلت الجبائيّ في ثلاث سُميريّات، ورمى أبو العباس يومئذ عن قوس كانت في يده حتى دميت إبهامه؛ فانصرف؛ ولو أنا جددنا في طلب الجبائيّ في ذلك اليوم ظننتُ أنا أدركناه، فمنعَنا من ذلك شدّة اللغوب، ورجع أبو العباس وأكثر أصحابه بمواضعهم من فُوّهة بردودا لم يُرْمَ أحد منهم؛ فلمّا وافَى عسكره أمر لمن كان صحبه بالأطواق والخِلَع والأسورة وأمر بإصلاح السميريّات المأخوذة من الزَّنج، وأمر أبا حمزة أن يجعل مقامه بما معه من الشَّذا في دِجْلة بحذاء خُسْرُسابور.
ثم إنّ أبا العباس رأى أن يتوغّل في مازروان حتى يصير إلى القرية المعروفة بالحجّاجيّة، وينتهى إلى نهر الأمير، ويقف على تلك المواضع، ويتعرّف الطرق التي تجتاز فيها سُميريّات الزّنج، وأمر نصيرًا فقدّمه بما معه من الشَّذَا والسميريّات، فسار نصير لذلك؛ فترك طريق مازروان، وقصد ناحية نهر الأمير، فدعا أبو العباس سُميريّته، فركبها ومعه محمد بن شعيب، ودخل مازروان وهو يرى أن نصيرًا أمامه، وقال لمحمد: قدّمني في النهر لأعرف خبر نُصير، وأمر الشذَا والسميريّات بالمصير خلفه.
قال محمد بن شعيب: فمضينا حتى قاربنا الحجّاجية، فعرضت لنا في النهر صلْغة فيها عشرة زنوج؛ فأسرعنا إليها، فألقى الزُّنوج أنفسهم في الماء، وصارت الصلغة في أيدينا، فإذا هي مملوءة شعيرًا، وأدركنا فيها زنجيًّا فأخذناه، فسألناه عن خبر نصير وشذواته فقال: ما دخل هذا النهر شيء من الشَّذَا والسُّميريّات، فأصابتنا حيرة، وذهب الزنج الذين أفلتوا من أيدينا فأعلموا أصحابهم بمكاننا، وعرض للملاحين الذين كانوا معنا غنمٌ فخرجوا لانتهابها.
قال محمد بن شعيب: وبقيتُ مع أبي العباس وحدي، فلم نلبث أن وافانا