طائفة منهم إلى طَهيثا وطائفة إلى سوق الخميس، ورجع أبو العباس غانمًا إلى عسكره، وقد فتح الصينيّة وأجلى الزّنج عنها.
قال محمد بن شعيب: وبينا نحن في حرب الزَّنج بالصينيّة إذ عرض لأبي العباس كُرْكيّ طائر، فرماه بسهم، فشكّه فسقط بين أيدي الزَّنج، فأخذوه فلما رأوا موضع السهم منه، وعلموا أنه سهم أبي العباس زاد ذلك في رعبهم؛ فكان سببًا لانهزامهم يومئذ.
وقد ذُكر عمن لا يُتّهم: أن خبر السهم الذي رمى به أبو العباس الكُرْكيّ في غير هذا اليوم، وانتهى إلى أبي العباس أنّ بِعْبَدَسِي جيشًا عظيمًا يرأسهم ثابت بن أبي دلف، ولؤلؤ الزنجيّان، فصار أبو العباس إلى عَبْدَسي قاصدًا للإيقاع بهما ومَنْ معهما في خيل جريدة، قد انتخبت من جُلد غلمانه وحماة أصحابه، فوافى الموضع الذي فيه جمعهم في السَّحَر، فأوقع بهم وقعَة غليظة، قُتِل فيها من أبطالهم، وجُلد من رجالهم خلق كثير، وانهزموا، وظفر أبو العباس برئيسهم ثابت بن أبي دلف، فمنّ عليه واستبقاه وضمّه إلى بعض قوّاده، وأصاب لؤلؤًا سهم فهلك منه، واستُنقذ يومئذ من النساء اللواتي كنّ في أيدي الزَّنْج خلقٌ كثير، فأمر أبو العباس بإطلاقهنّ وردّهن إلى أهلهنّ، وأخَذ كلَّ ما كان الزنج جمعوه.
ثم رجع أبو العباس إلى معسكره، فأمر أصحابه أن يُريحوا أنفسَهم ليسير بهم إلى سوق الخميس، ودعا نصيرًا فأمره بتعبئة أصحابه للمسير إليها، فقال له نصير: إنّ نهر سوق الخميس ضيّق، فأقم أنت وائذن لي في المسير إليه حتى أعايِنَه، فأبى أن يدَعه حتى يعاينه، ويقف على علم ما يحتاج إليه منه قبل موافاة أبيه أبي أحمد؛ وذلك عند ورود كتاب أبي أحمد عليه بعزمه على الانحدار.
قال محمد بن شعيب: فدعاني أبو العباس، فقال لي: إنه لابدّ لي من دخول سوق الخميس، فقلت: إن كنتَ لابدّ فاعلًا ما تذكر فلا تكثر عدد مَنْ تحمل معك في الشَّذَا، ولا تزد على ثلائة عشر غلامًا عشرة رماة وثلاثة في أيديهم الرماح؛ فإني أكره الكثرة في الشَّذَا مع ضيق النهر، فاستعدّ أبو العباس لذلك، وسار إليه ونُصير بين يديه حتى وافَى فم بَرْمساور، فقال له نُصير: قدّمني أمامك، ففعل ذلك، فدخل نُصير في خمس عشرة شَذَاة، واستأذنه رجل من قوّاد الموالي يقال