وجوهرًا وذهبًا وفضّة لها قدر، فطلب ذلك بكلّ حيلة، وحرَص عليه، وحبس أولياءه وقرابته وأصحابه، وضربهم بالسّياط، وأثار دورًا من دُوره، وهدم أبنيةً من أبنيته؛ طمعًا في أن يجد في شيء منها دفينًا، فلم يجد من ذلك شيئًا؛ وكان فعله الذي فعله بأولياء بهبوذ في طلب المال أحد ما أفسد قلوب أصحابه ودعاهم إلى الهرَب منه والزّهد في صحبته، فأمر الموَفق بالنداء في أصحاب بهبوذ بالأمان، فنُودي بذلك، فسارعوا إليه راغبين فيه، فألحِقوا في الصِّلات والجوائز والخلَع والأرزاق بنظرائهم، ورأى أبو أحمد لما كان يتعذر عليه من العُبور إلى عسكر الفاجر في الأوقات التي تهبّ فيها الرياح وتحرّك فيها الأمواج في دِجْلة أن يوسع لنفسه وأصحابه موضعًا في الجانب الغربيّ من دجلة ليعسكر به فيما بين ديْر جابيل ونهر المغيرة، وأمر بقطع النخل وإصلاح موضع الخندق، وأن يُحفّ بالخنادق، ويحصَّن بالسور ليأمن بيات الفجّار واغتيالهم إياه، وجعل على قُوّاده نوائب؛ فكان لكلّ واحد منهم نوْبة يغدو إليها برجاله، ومعه العمال في كلّ يوم لإحكام أمر العسكر الذي عزم على اتّخاذه هنالك، فقابَل الفاسق ذلك بأن جعل على عليّ بن أبان المهلّبيّ وسليمان بن جامع وإبراهيم بن جعفر الهمْدانيّ نُوبًا، فكان لكلّ واحد منهم يوم ينوب فيه.
وكان ابنُ الخبيث المعروف بأنكلاي يحضرُ في كلّ يوم نوبة سليمان، وربما حضر في نوبة إبراهيم، ثم أقامه الخبيث مقام إبراهيم بن جعفر، وكان سليمان بن جامع يحضُر معه في نوبته، وضمّ إليه الخبيث سليمان بن موسى الشعرانيَّ وأخويه، وكانوا يحضرُون بحضوره، ويغيبون بغيبته، وعلم الخبيثُ أن الموفّق إذا جاوره في محاربته، وقرب على مَن يريد اللحاق به المسافةُ فيما يحاول من الهرب إليه، مع ما يدخل قلوبَ أصحابه من الرهبة بتقارب العسكرين إنّ في ذلك انتقاضَ تدبيره، وفسادَ جميع أموره؛ فأمر أصحابَه بمحاربة من يعبر من القوّاد في كلّ يوم، ومنعهم من إصلاح ما يحاولون إصلاحَه من أمر عسكرهم الذي يريدون الانتقال إليه، وعصفت الرياح في بعض تلك الأيام وبعض قوّاد الموفق في الجانب الغربيّ لِمَا كان يعبر له، فانتهز الفاسق الفرصةَ في انفراد هذا القائد وانقطاعه عن أصحابه، وامتناع دِجْلة بعصوف الريح من أن يرام عُبورها، فرمى القائد المقيم في غربي دجْلة بجميع جيشه، وكاثره برجاله، ولم تجد