وأقام أبو العباس في عدة شذوات قد انتخب مقاتلتها، واختارهم في فوّهة نهرِ الغربيّ، ومعه من غلمانه البِيضان والسودان عدد قد رضيَه؛ فلما ظهر رشيق للفجرة في شرقيّ نهر الغربيّ، راعهم فأقبلوا يريدون العبور إلى غربيه ليهربوا إلى عسكرهم؛ فلما عاينهم أبو العباس اقتحم النَّهر بالشَّذَوات، وبث الرَّجّالة على حافتَيْه، فأدركوهم، ووضعوا السيف فيهم، فقتل منهم في النهر وعلى ضفّتيه خَلْق كثير، وأسِر منهم أسرى، وأفلت آخرون، فتلقاهم زيرك في أصحابه فقتلوهم، ولم يُفلت منهم إلّا الشريد، وأخذ أصحاب أبي العباس من أسلحتهم ما ثقل عليهم حمله؛ حتى ألقوا أكثره، وقطع أبو العباس القنطرتيْن، وأمر بإخراج ما كان فيهما من البُدود والخشب إلى دِجْلة وانصرف إلى الموفّق بالأسارى والرؤوس، فطِيف بها في العسكر، وانقطع عن الفسقة ما كانوا يرتفِقُون به من المزارع التي كانت بنهر الغربيّ.
* * *
وفي ذي الحجة من هذه السنة، أعني سنة تسع وستين ومئتين - أدخِل عيال صاحب الزّنج وولده بغداد.
وفيها سُمّيَ صاعد ذا الوزارتين.
* * *
وفي ذي الحجة منها كانت وقعة بين قائدين وجيش معهما لابن طولون كان أحدهما يسمّى محمد بن السراج والآخر منهما يعرف بالغَنويّ، كان ابن طولون وجَّههما، فوافيا مكة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي القعدة في أربعمئة وسبعين فارسًا وألفَيْ راجل، فأعطوا الجزّارين والحنّاطين دينارين دينارين، والرؤساء سبعة سبعة، وهارون بن محمد عامل مكة إذْ ذاك ببستان ابن عامر، فوافى مكة جعفر بن الباغمرديّ لثلاث خَلَوْن من ذي الحجة في نحو من مئتي فارس، وتلقّاه هارون في مئة وعشرين فارسًا ومئتي أسود وثلاثين فارسًا من أصحاب عمرو بن الليث ومئتي راجل ممّن قدم من العراق، فقويَ بهم جعفر، فالتقوْا هم وأصحاب ابن طولون، وأعان جعفرًا حاجُّ أهل خراسان، فقتِل من أصحاب ابن طولون ببطن مكة نحو من مئتي رجل، وانهزم الباقون في الجبال، وسلبوا