أن الطبري عايشها عن قرب وكان له رأي خاص في الأحداث الجسام يومها إلّا أنه لم يسجّلها في تأريخه ولم يودعها صفحاته.
وسنضرب مثالًا واحدًا على ذلك:
قال المعافى بن زكريا الجريري وهو يتحدث عن وقائع سنة ٢٩٦ هـ لما خلع المقتدر وبويع ابن المعتز دخلوا على شيخنا محمد بن جرير الطبري فقال: ما الخبر؟ فيل: بويع ابن المعتز: قال: فمن رشح للوزارة؟
قيل: محمد بن داود، قال فمن ذكر للقضاء؟ قيل: أبو المثنى فأطرق ثم قال: هذا الأمر لا يتمّ، قيل له: وكيف؟ قال: كل واحد ممن سمّيتهم متقدم في معناه عالي الرتبة والزمان مدبرُ والدنيا مولية، وما أرى هذا إلّا إلى اضمحلال، وما أرى لمدته طولًا [تأريخ الخلفاء/ ٤٢٦/ ط المكتبة العصرية] فهذا كلامه ورأيه في الأحداث لم نر له أثرًا في تأريخه فقد وقف بأعصاب باردة رحمه الله أمام تلك الأحداث وهو يسجّلها فلعله أراد بذلك أن يكون مؤرخًا محايدًا تمامًا أمينًا في نقل الأحداث دون أن يشوبها برأيه الخاص والله تعالى أعلم.