للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان في يوم الخميس لثمان خلون من صفَر، شاع موتُه بعد انصراف أبي الصقر من داره، وقد كان تقدّم في حفظ أبي العباس، فغلِّقت عليه أبواب دون أبواب، وأخذ أبو الصقر ابنَ الفيّاض معه إلى داره، وكان يبقى بناحيته، وأقام أبو الصقر في داره يومه ذلك، وازداد الإرجاف بموت أبي أحمد، وكانت اعترتْه غَشْية، فوجّه أبو الصقر يوم الجمعة إلى المدائن، فحمل منها المعتمد وولده، فجيء بهم إلى داره، وأقام أبو الصقر في داره ولم يَصِرْ إلى دار أبي أحمد، فلما رأى غلمان أبي أحمد المائلون إلى أبي العباس والرؤساء من غلمان أبي العباس الذين كانوا حضورًا ما قد نزل بأبي أحمد، كسروا أقفال الأبواب المغلَقة على أبي العباس.

فذُكر عن الغلام الذي كان مع أبي العباس في الحُجْرة أنه قال لما سمع أبو العباس صوت الأقفال تكْسَر قال: ليس يريد هؤلاء إلّا نفسي.

وأخذ سيفًا كان عنده، فاستلّه، وقعد مستوفزًا والسيف في حجره، وقال: لي: تنحَّ أنت، والله لا وصلوا إليّ وفيَّ شيء من الروح، قال: فلما فُتِح الباب كان أول من دَخَل عليه وصيف مُوْشْكير - وهو غلام أبي العباس - فلما رآه رمى السيف من يده، وعلم أنهم لم يقصدوا إلا الخير، فأخرجوه حتى أقعدوه عند أبيه، وهو بعقب غشيته، فلما فتح أبو أحمد عينيه، وأفاف رآه، فأدناه وقرَّول، ووافى المعتمد - ذلك اليوم الذي وجّه إليه في حمله، وهو يوم الجمعة نصفَ النهار قبل صلاة الجمعة - مدينة السلام، لتسع خلَوْن من صفر، ومعه ابنه جعفر المفوّض إلى الله وليُّ العهد وعبد العزيز ومحمد وإسحاق بنوه، فنزل على أبي الصقر، ثم بلغ أبا الصقر: أنّ أبا أحمد لم يمت، فوجّه إسماعيل بن إسحاف يتعرَّف له الخبر، وذلك يوم السبت.

وجمع أبو الصقر القوّاد والجند، وشحن داره وما حوْلها بالرّجال والسلاح، ومِنْ داره إلى الجسر كذلك، وقطع الجسرين، ووقف قوم على الجسر في الجانب الشرقيّ يحاربون أصحاب أبي الصقر، فقتِل بينهم قتلى، وكانت بينهم جراحات.

وكان أبو طلحة أخو شَرْكَب مع أصحابه مقيمين بباب البستان، فرجع إسماعيل، فأعلم أبا الصقر أن أبا أحمد حيّ، فكان أوّل مَنْ مضى إليه من القوّاد محمد بن أبي الساج، عبر من نهر عيسى، ثم جعل الناس يتسلّلون؛ منهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>