للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان للهَيْصَم في تلك الناحية ضياع، فوقف على تقصير أكَرته في العمارة، فسأل عن ذلك، فأخبِر: أن إنسانًا طرأ عليهم، فأظهر لهم مذهبًا من الدين، وأعلمهم أنّ الذي افترضه الله عليهم خمسون صلاة في اليوم والليلة، فقد شغِلوا بها عن أعمالهم فوجّه في طلبه، فأخِذ وجيء به إليه، فسأله عن أمره، فأخبره بقصّته، فحلف أنه يقتله.

فأمر به فحبِس في بيت، وأقفل عليه الباب، ووُضع المفتاح تحت وسادته، وتشاغل بالشرب، وسمع بعض مَنْ في داره من الجواري بقصّته، فرقّت له، فلما نام الهيصم أخذت المفتاح من تحت وسادته، وفتحت الباب وأخرجته، وأقفلت الباب، وردّت المفتاح إلى موضعه. فلمّا أصبح الهيصم دعا بالمفتاح ففتح الباب فلم يجده، وشاع بذلك الخبر، ففُتن به أهل تلك الناحية، وقالوا: رُفع ثم ظهر في موضع آخر، ولقي جماعة من أصحابه وغيرهم فسألوه عن قصّته، فقال: ليس يمكن أحدًا أن يبدأني بسوء، ولا يقدر على ذلك مني، فعظم في أعينهم، ثم خاف على نفسه، فخرج إلى ناحية الشأم، فلم يُعْرَفِ له خبر، وسمِّيَ باسم الرّجل الذي كان في منزله صاحب الأثوار كرميته، ثم خُفِّف فقالوا: قرمط.

ذكر هذه القصة بعض أصحابنا عمّن حدثه، أنه حضر محمد بن داود بن الجرّاح، وقد دعا بقوم من القرامطة من الحبس، فسألهم عن زكرويه، وذلك بعدما قتله، وعن قرمط وقصّته، وأنهم أومواله إلى شيخ منهم، وقالوا له: هذا سلف زكرويه، وهو أخبر الناس بقصّته، فسَلْه عما تريد، فسأله فأخبره بهذه القصة.

وذكر عن محمد بن داود أنه قال: قرمط رجل من سواد الكوفة، كان يحمل غلات السواد على أثوار له، يسمَّى حمدان ويلقب بقرمط، ثم فشا أمرُ القرامطة ومذهبهُم، وكثروا بسواد الكوفة، ووقف الطائيّ أحمد بن محمد على أمرهم، فوظّف على كلّ رجل منهم في كلّ سنة دينارًا، وكان يجبي من ذلك مالًا جليلًا، فقدم قوم من الكوفة فرفعوا إلى السلطان أمرَ القرامطة، وأنهم قد أحدثوا دينًا غير الإسلام، وأنهم يروْن السيف على أمَّةِ محمد إلا مَنْ بايعهم على دينهم، وأن الطائيّ يخفى أمرهم على السلطان، فلم يلتفت إليهم، ولم يسمع منهم، فانصرفوا، وأقام رجل منهم مدة طويلة بمدينة السلام، يرفع ويزعم أنه لا يمكنه

<<  <  ج: ص:  >  >>