حتى قُتلوا أكثر من خمسة أميال، ولما أن تجاوزتُ المصافّ بنصف ميل خفتُ أن يكون من الكفار مكيدة في الاحتيال على الرّجالة والسواد، فوقفتُ إلى أن لحقوني، وجمعتهم وجمعت الناس إليّ وبين يدي المطرد المبارك، مطرد أمير المؤمنين، وقد حملت في الوقت الأوّل، وحمل الناس، ولم يزل عيسى النوشري ضابطًا للسواد من مصافّ خلفهم مع فرسانه ورجّالته على ما رسمتُه له، لم يَزُل من موضعه إلى أن رجع الناس جميعًا إليّ من كلّ موضع، وضربت مضربي في الموضع الذي وقفت فيه؛ حتى نزل الناس جميعًا، ولم أزل واقفًا إلى أن صلّيتُ المغربَ، حتى استقرّ العسكر بأهلِه، ووجَّهت في الطلائع ثمَّ نزلت؛ وأكثرت حمد الله على ما هنّأنا به من النصر، ولم يُبق أحد من قوّاد أمير المؤمنين وغلمانه ولا العجم وغيرهم غاية في نصر هذه الدولة المباركة في المناصحة لها إلَّا بلغوها؛ بارك الله عليهم جميعًا!
ولمّا استراح الناس خرجت والقوّاد جميعًا لنقيم خارج العسكر إلى أن يصبح الناس خوفًا من حيلة تقع، وأسأل الله تمام النعمة وإيزاع الشكر؛ وأنا - أعزّ الله سيدنا الوزير - راحل إلى حَماة، ثمَّ أشخص إلى سلمية بمنّ الله تعالى وعونه، فمن بَقيَ من هؤلاء الكفار مع الكافر فهم بسلمية؛ فإنَّه قد صار إليها منذ ثلاثة أيام، وأحتاج إلى أن يتقدم الوزير بالكتاب إلى جميع القوّاد وسائر بطون العرب من بني شَيْبان وتغلِب وبني تميم، يجزيهم جميعًا الخير على ما كان في هذه الوقعة؛ فما بقيَ لأحد منهم - صغير ولا كبير - غاية، والحمد لله على ما تفضّل بهّ، وإياه أسأل تمامَ النعمة.
ولما تقدَّمت في جمع الرؤوس، وُجِد رأس أبي الحمل، ورأس أبي العذاب وأبي البغل، وقيل إن النعمان قد قُتِل؛ وقد تقدّمت في طلبه، وأخذ رأسِه وحمله مع الرؤوس إلى حضرة أمير المؤمنين إن شاء الله.
وفي يوم الإثنين الأربع بقين من المحرَّم، أدخِل صاحب الشامة إلى الرّقة ظاهرًا للناس على فالج، عليه برنس حرير ودرّاعة ديباج، وبين يديه المدّثّر والمطوّق على جملين.
ثمَّ إن المكتفي خلّف عساكره مع محمَّد بن سليمان، وشخص في خاصّته وغلمانه وخدمه، وشخص معه القاسم بن عبيد الله من الرّقة إلى بغداد، وحمل