للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= استأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلعٍ بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال: فخررت ساجدًا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قِبَل صاحبيَّ مبشرون وركض إليّ رجل فرسًا وسعى ساعٍ من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتلقاني الناس فوجًا فوجًا يهنئوني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك.
قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس حوله الناس فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب: فلما سلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك قلت: أمن عندك يا رسول الله أم عند الله؟ قال: لا بل من عند الله.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.
فقلت: يَا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدّث إلا صدقًا ما بقيت فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا كذبًا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} إلى قوله: {مَعَ الصَّادِقِينَ}. فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} إلى قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه =

<<  <  ج: ص:  >  >>