للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أبي بكر بالخلافة مفخرة من مفاخر التأريخ الإسلامي، إلَّا أن الذين ينظرون من خلال نظارة سوداء إلى تأريخنا الإسلامي يرون المفخرة شبهة وتهمة. وإليك ما قاله المستشرق المعروف (بروكلمان) إذ يقول: (ما كاد الرسول يلحق بالرفيق الأعلى حتى أحدقت الأخطار بالرسالة التي وقف عليها حياته، أعني: توحيد بلاد العرب دينيًّا وسياسيًا. ففي المدينة نفسها أحدث النبأ الذي لم يتوقعه أحد اضطرابًا هائلًا شغل الناس عن كل شيء حتى عن جثمان الرسول نفسه، فلم يدفن إلا في اليوم التالي في بيت عائشة. والحق أن جميع الأحقاد السياسية التي كان النبي قد كبتها بنفوذه الأدبي لم تلبث أن ذرّت قرنها، فمن ناحية كان عدد المنافقين لا يزال في المدينة كبيرًا جدًّا، ومن ناحية ثانية كان الأنصار العريقون في المدينة يتوقون إلى التحرر من سلطان الأغلبية المتمثلة في المهاجرين ليصبحوا سادة موطنهم الوحيدين كرة أخرى، ثم إن عليًّا ابن عم النبي وزوج ابنته ادّعى لنفسه الحق في خلافته كرئيس للدولة، بوصفه أقرب الناس رحمًا إليه). (تأريخ الشعوب الإسلامية / ٨٣).
ولقد تأثر بهذه الافتراءات كثير من أساتذة الجامعات والكتاب والمؤرخون في بلادنا فها هو إبراهيم بيضوني يقول:
(كان مؤتمر السقيفة التي دعا إليها مسلمو المدينة (الأنصار) المبادرة الأولى التي وضعت خلافة الرسول موضع التداول. فمن هناك تجاهرت الأصوات بما كان مكبوتا وتناقلت الألسن ما كان همسًا حتى ذلك الحين، ولم يكن تكتل الأنصار المبادر إلى طرح مشكلة الحكم قادرًا على أن يكون سيد الموقف وأن يمارس لعبة الذكاء المطلوبة فقد كان تجمعًا يفتقد الانسجام وإلى الزعامة، وكلتاهما من ركائز الطموح إلى السلطة ومن شروطه المبدئية، كذلك لم يكن سعد بن عبادة الخزرجي المسنّ والمريض في حجم المنصب الكبير) (ملامح التيارات السياسية في القرن الأول الهجري / ١٣).
قلنا: (المحققان): سبحان الله العظيم كم هي عظيمة هذه الافتراءات وكم هي بعيدة عن الواقع التأريخي والروايات الصحيحة والمستوى التربوي الذي كان عليه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! ! ولقد تبين لنا جليًّا من خلال تحقيقنا لروايات الطبري: أن المسألة لم تكن إثارة لأحقاد دفينة، ولا لنزاعات قبلية، ولا لأصوات مكبوتة، وإنما كان حوارًا ونقاشًا بين الصحابة لاختيار الأصلح والأفضل، وإذا كان الأمر كما يدَّعون فكيف انتهت المسألة بجلسة واحدة وبكلام يسير قال في نهايتها سعد بن عبادة لأبي بكر: صدقت. وقام الناس فبايعوا أبا بكر، وكذلك بيّنا أن الروايات التأريخية الصحيحة تؤكد: أن عليًّا بايع أبا بكر وأقرّ بالأفضلية والأولوية.
ثم إن تأخر الصحابة عن دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأخر ذلك إلى اليوم التالي وانشغالهم باختيار الخليفة دليل على إجماع الصحابة على وجوب نصب خليفة للمسلمين يسوس أمورهم العامة =

<<  <  ج: ص:  >  >>