ولما رأى خالد أنّ المسلمين يقاتلون متساندين قال لهم: هل لكم يا معشر الرؤساء في أمْرٍ يُعزّ الله به الدّين، ولا يدخل عليكم معه ولا منه نقيصة ولا مكروه؟ !
٤٦ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سَيف، عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغسَّاني، عن خالد وعبادة، قالا: توافَى إليها مع الأمراء والجنود الأربعة سبعةٌ وعشرون ألفًا وثلاثة آلاف من فُلّال خالد بن سعيد، أمَّر عليهم أبو بكر معاويةَ وشُرحبيل، وعشرة آلاف من أمداد أهل العراق مع خالد بن الوليد سوى ستَّة آلاف ثبتوا مع عكرمة ردءًا بعد خالد بن سعيد؛ فكانوا ستّة وأربعين ألفًا، وكلّ قتالهم كان على تساند، كلّ جند وأميره، لا يجمعهم أحدٌ؛ حتَّى قدم عليهم خالد من العراق. وكان عسكر أبي عبيدة باليرْموك مجاورًا لعسكر عمرو بن العاص، وعسكر شُرَحبيل مجاورًا لعسكر يزيد بن أبي سفيان؛ فكان أبو عبيدة ربَّما صلَّى مع عمرو وشُرحبيل مع يزيد. فأما عمرو ويزيد فإنَّهما كانا لا يصلِّيان مع أبي عبيدة وشُرحبيل، وقدم خالد بن الوليد وهم على حالهم تلك؛ فعسكر على حِدَة؛ فصلَّى بأهلِ العراق، ووافق خالد بن الوليد المسلمين وهم متضايقُون بمدَدِ الرّوم؛ عليهم باهان، ووافق الروم وهو نِشاط بمددهم، فالتقوا، فهزمهم الله حتى ألجأهم وأمدادَهم إلى الخنادق - والواقوصة أحد حدوده - فلزموا خندقهم عامّة شهر، يُحَضِّضُهم القسِّيسون، والشَّمَامشة، والرّهبان، وينعَوْن لهم النَّصرانيَّة، حتى استبصروا. فخرجوا للقتال الذي لم يكن بعد قتال مثله، في جمادى الآخرة.
فلمَّا أحسّ المسلمون خروجَهم، وأرادوا الخروجَ متساندين، سار فيهم خالد بن الوليد؛ فحمِد الله وأثنى عليه، وقال: إن هذا يومٌ من أيّام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي. أخلِصوا جهادَكم، وأريدوا الله بعملكم؛ فإن هذا يومٌ له ما بعده؛ ولا تقاتلوا قومًا على نظام وتعبية؛ على تسانُد وانتشار؛ فإن ذلك لا يحلّ ولا ينبغي. وإنّ مَن وراءَكم لو يعلم علمَكم حال بينكم وبين هذا؛ فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي تروْن أنَّه الرّأي من واليكم ومحبَّته، قالوا: فهات، فما الرأي؟ قال: إنّ أبا بكر لم يبعثْنا إلّا وهو يرى أنا سنتياسر، ولو علم بالذي كان ويكون، لقد جمعكم. إن الذي أنتم فيه أشدُّ على المسلمين ممَّا قد