١٩٥ - حدَّثنا ابنُ حميد، قال: حدَّثنا سلَمة عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن شهر بن حوشب الأشعريّ، عن رابة - رجل من قومه، وكان قد خلَف على أمه بعد أبيه، كان شهد طاعون عَمَواس - قال: لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة في الناس خطيبًا، فقال: أيّها الناس! إنّ هذا الوجَع رحمة بكم ودعوة نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وموت الصالحين قبلَكم، وإنّ أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظَّه. فطُعِن فمات، واستُخلِف على الناس مُعاذ بن جبَل. قال: فقام خطيبًا بعده، فقال: أيها الناس، إنّ هذا الوجع رحمة رَبكم، ودعوة نبيكم وموْت الصالحين قبلكم، وإن مُعاذًا يسأل الله أن يقسم لآل مُعاذ منه حظهم، فطُعِن ابنه عبد الرحمن بن مُعاذ، فمات. ثمّ قام فدعا به لنفسه، فطعِن في راحته؛ فلقد رأيتُه ينظر إليها ثم يقبِّل ظهرَ كفه، ثم يقول: ما أحبّ أنّ لي بما فيك شيئًا من الدنيا، فلما مات استُخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام خطيبًا في الناس؛ فقال: أيها الناس، إنّ هذا الوجَع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبَّلوا منه في الجبال. فقال أبو وائلة الهُذَليّ: كذبت والله! لقد صحبتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت شرّ من حماري هذا! قال: والله ما أردّ عليك ما تقول، وايمُ الله لا نقيم عليه! ثم خرج وخرج الناس فتفرّقوا، ورفعه الله عنهم. قال:
= قيس بن مسلم قال: سمعت طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث إلى أبي موسى الأشعري وفيه: إني كنت مع أبي عبيدة وأن الطاعون قد وقع بالشام، وأن عمر كتب إليه (إذا أتاك كتابي هذا فإني أعزم عليك، إن أتاك مصبحًا؛ لا تمسِ حتى تركب، وإن أتاك ممسيًا؛ لا تصبح حتى تركب إليّ فقد عرضت لي إليك حاجة لا غنى لي عنك فيها) فلما قرأ أبو عبيدة الكتاب قال: إن أمير المؤمنين أراد أن يستبقي من ليس بباقي. فكتب إليه أبو عبيدة: (إني في جند من المسلمين إنْ فررت من المناة والسير لن أرغب بنفسي عنهم وقد عرفنا حاجة أمير المؤمنين، فحللني من عزمتك)، فلما جاء عمر الكتاب بكى، فقيل له: توفي أبو عبيدة، قال: لا. وكان قد كتب إليه عمر: (إن الأردن أرض عميقة وإن الجابية أرض نزهة، فانهض بالمسلمين إلى الجابية، فقال لي أبو عبيدة: انطلق فبوّئ المنزلين منزلهم فقلت: لا أستطيع، قال: فذهب ليركب وقال لي رجل من الناس قال: فأخذه آخذة فطعن فمات وانكشف الطاعون - ونسبه ابن حجر إلى الهيثم بن كليب، والطحاوي، والبيهقي، وذكره مختصرًا، وحسّن إسناده (الفتح ١٠/ ١٩٩).