للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سجَّل علماء التراجم والتاريخ عدة ملاحظات على تاريخ الطبري والمادة العلمية فيه، وعلى منهجه الذي سلكه، ونبدأ الآن بالمآخذ التي أوردها العلماء على المادة التاريخية فيه (١)، وأهمها.

١ - لم يحفظ الطبري التوازن بين فترات التاريخ قبل الإسلام وبعده، لأنه عرض تاريخ العالم منذ بدء الخليقة وهبوط آدم وتاريخ الأنبياء والأمم والدول في مجلد واحد يساوي تقريبًا عُشْر الكتاب، بينما عرض التاريخ الإِسلامي بتوسُّع، وأفرد له تسعة أعشار الكتاب.

ولكن هذه الملاحظة لا تَرِدُ على الطبريّ رحمه الله، لأنه لا يريد حقيقة أن يؤرِّخ للعالم، ليحققَ التوازن، ولكنه قصد أن يكتب التاريخ الإِسلامي فحسب، وقدَّم لكتابه بتمهيد ومدخل للتاريخ السابق، ولذلك كان تاريخ الطبري أجل وأعظم كتاب عن التاريخ الإِسلامي في القرون الثلاثة الأولى، وصار المرجع لكل من جاء بعده.

٢ - أسرف الطبري بذكر الإِسْرائيليات والخُرافات والأوهام والحكايات فيما يتعلق ببدء الخلق وقصص الأنبياء والتاريخ القديم، دون أن يُمحِّص ذلك ويَعْرِضه على النقد والمنطق والعقل وما جاء في القرآن والسنة.

وهذه الملاحظة لم ينفرد بها الطبري، بل شاركه فيها بقية المؤرخين، لأن مصدر المعلومات لهم غالبًا في ذلك هم أهل الكتاب، الذين عَرَضوا هذه المعلومات عن بدء الخليقة، ولا يوجد مرجع آخر فيها، فنقل المؤرِّخون ذلك دون تمحيص أو تدقيق أو تعليق (٢).

٣ - اقتصر الطبري في تاريخه عما نقله من المصادر والإسناد الماضية، وهذا صرفه عن النظر في أحداث عصره، فلم يُسجِّلها في كتابه، ولم يُؤرِّخها، فجاءت


(١) التاريخ العربي والمؤرخون ص ٢٦٠ وما بعدها، الطبري للحوفي ص ٢٠٤، ظهر الإسلام ٢/ ٢٠٤.
(٢) قال أحمد أمين: "إن كثيرًا من تاريخ الأمم القديمة ليس إلا خرافات وأوهامًا، ولكن عذر الطبريّ في ذلك أن هذا هو ما كان معدودًا في وقته، وليس له من الوثائق ما يستطيع أن يذكر به التاريخ الصحيح" ظهر الإسلام ٢/ ٢٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>