للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحداث التي عاصرها باهتة ومختصرة جدًّا، مع أن الطبري كان على اطِّلاع واسع بها، وكانت خبرته جيدة ورحل إلى عدة أقطار في العالم الإِسلامي، وعاش دهرًا طويلًا وقعت فيه أحداث كبيرة وأمور مهمة، فلم يولِ اهتمامه بجيله وعصره، وظهر فيما كتبه عنه الضعف والإِيجاز المخلّ.

ولعل الباعث للطبري على ذلك تصوُّرُه لدراسة التاريخ وفهمه له بأنه مستودع خبرات الأجيال السابقة فقط، وأنه يكتب لأبناء جيله الذين يشاركونه في معرفة الأحداث ومجريات الأمور، فلا يأتيهم بجديد، وفاته أن الأجيال اللاحقة بحاجة ماسة للمعرفة التفصيلية للجيل الذي عاصر الطبري، وخاصة أنه شاهدُ صدق على ما يقول، وأنه أقرب من غيره لتسجيل هذه الأحداث، فحَرَمَ التالين من ذلك، ولو أَرَّخ لعصره لقدَّم لغيره مادة غزيرة وموثَّقة.

٤ - كان فهم الطبري للتاريخ العالمي أقل وأضيق من فهم بعض المؤرّخين السابقين له كاليَعْقوبي وابن قتيبة مثلًا - في نظرتهم الشمولية، بينما اقتصرت نظرة الطبري إلى تاريخ العالم على الخط الذي يصل بين الأنبياء والعهد الجاهلي كمقدمة للتاريخ الإِسلامي.

وقد يكون عذر الطبري في ذلك أنه يريد التاريخ الإِسلامي بحدِّ ذاته، وذَكَرَ تاريخ الأمم والملوك الآخرين كمقدّمة فقط، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التاريخ القديم قليل المصادر، ومصادره غير معتمدة، والثقة فيها غير متوفِّرة، والخَيال فيها والخرافة والأَساطير من بنات الأفكار أكثر من الحقائق، فأخذ الطبري جانبًا من ذلك، لأن ما لا يُدْرَك كلّه لا يُترك جلّه.

٥ - كان الطبري مهتمًا في تاريخه بالأحداث السياسية، فحصر تاريخه غالبًا في المشاكل الداخلية للدولة، وما يتصل بالسياسة الداخلية، وأغفل كثيرًا الحديث عن الفتوحات الإِسلامية كالأندلس وغيرها، وأعرض عن بيان العلاقات الدولية، وحتى في العلاقات بين الدولة الإِسلامية والدول المجاورة لها كالبيزنطية والإِفرنجية، وأحوال هذه الدول وأمرائهم، وفي الأمور الداخلية اهتم

<<  <  ج: ص:  >  >>