٢٠٦ - وأما سيف، فإنه قال: -فيما كتب إليّ السريّ يذكر: أن شُعيبًا حدّثه عنه؛ وعن محمّد والمهلّب وطلحة وعمر وسعيد- إنّ الذي هاج أمر نهاوند أنّ أهلَ البصرة لما أشجوا الهُرمزان، وأعجلوا أهلَ فارس عن مصاب جند العلاء، ووطئوا أهل فارس؛ كاتبوا ملكهم؛ وهو يومئذ بمَرْو، فحرّكوه، فكاتب الملك أهلَ الجبال من بين الباب والسند وخُرَاسان وحلُوْان، فتحرّكوا وتكاتبوا، وركب بعضهم إلى بعض، فأجمعوا أن يوافوا نهاوند، ويُبرموا فيها أمورَهم، فتوافى إلى نهاوند أوائلُهم.
وبلغ سعد الخبر عن قُباذ صاحب حُلوان، فكتب إلى عمر بذلك، فنزا بسعد أقوام، وألّبوا عليه فيما بين تراسل القوم واجتماعهم إلى نهاوند، ولم يشغلْهم ما دهم المسلمين من ذلك؛ وكان ممن نهض الجرّاح بن سنان الأسديّ في نفر، فقال عمر: إنّ الدليل على ما عندكم من الشرّ نهوضُكم في هذا الأمر، وقد استعدّ لكم من استعدّوا، وأيم الله لا يمنعني ذلك من النظر فيما لديكم وإن نزلوا بكم. فبعث عمر محمدَ بن مسلمة، والناس في الاستعداد للأعاجم، والأعاجم في الاجتماع -وكان محمد بن مسلمة هو صاحب العمّال الذي يقتصّ آثار مَنْ شُكِيَ زمان عمر- فقدم محمد على سعد ليطوفَ به في أهل الكوفة، والبعوث تضرَب على أهل الأمصار إلى نهاوند، فطوّف به على مساجد أهل الكوفة، لا يتعرّض للمسألة عنه في السرّ، وليست المسألة في السرّ من شأنهم إذْ ذاك؛ وكان لا يقف على مسجد فيسألهم عن سعد إلّا قالوا: لا نعلم إلّا خيرًا، ولا نشتهي به بدلًا، ولا نقول فيه، ولا نعين عليه، إلّا مَنْ مالأ الجرّاح بن سنان وأصحابه؛ فإنهم كانوا يسكتون لا يقولون سوءًا، ولا يسوغ لهم، ويتعمَّدون ترك الثناء، حتى انتهوْا إلى بني عبس، فقال محمد: أنشد بالله رجلًا يعلم حقًّا إلّا قال! قال أسامة بن قتادة: اللهمّ إن نشدتَنا فإنه لا يقسم بالسويّة، ولا يعدِلُ في الرعيّة، ولا يغزو في السريّة. فقال سعد: اللهمّ إن كان قالها كاذبًا ورئاءً وسمعة فأعمِ بصرَه، وأكثر عياله، وعرّضه لمضلّات الفتن. فعمِيَ، واجتمع عنده عشر بنات، وكان يسمع بخبر المرأة فيأتيها حتى يجسّها؛ فإذا عُثر عليه قال: دَعْوةُ سعد الرّجل المبارك. ثم أقبل على الدّعاء على النّفر، فقال: اللهمّ إن كانوا خرجوا أشرًا وبطرًا وكذبًا فاجهد بلاءهم؛ فجُهد بلاؤهم، فَقُطِّع الجرّاح بالسيوف