للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الالتزام بطريقة المحدِّثين في مجرَّد سرد الرواية دون تعرُّض لمتنها، كما أنه يفعل فعلهم في التعديل والتجريح للرواة، ولذلك يُعتبر ضمور النقد عند الطبري في التاريخ نقطة ضعف ونقص، وإن اعتُبرت في الحديث أمانة وميزة، وقد ذكر الطبري أحيانًا روايات غير معقولة، أخذها عليه المؤرِّخون بعده بإيرادها دون نقد وتفكير، وأنها منافية للعقول، ولا يجوز أن تُسطَّر في الكتب، ولم يشر إلى الروايات المكذوبة.

وهذه النظرة من الطبري إلى التاريخ تحصره في نطاق المعرفة، وتجرِّده من العظة والاعتبار والتأسِّي من جهة، خلافًا لابن مِسْكوية في كتابه "تجارب الأمم" قاصدًا بيان التجارب التي مرَّت بالسلف، ويحسن بالخلف أن يطَّلِع عليها، ويستفيد منها، ويتَّعظ بها، كما ابعدت نظرةُ الطبريّ للتاريخ المؤرِّخ عن التدخّل في الأحداث وتحليلها وبيان مدلولاتها، وهو ما يتجه إليه المؤرِّخون المتأخرون.

لكن الطبري رحمه الله أدْلى بدلوه أحيانًا، وأبدى رأيه، ورجَّح ما يراه قويًّا بقوله "والصحيح عندنا"، و"أنا أشك في ذلك" وقوله "وقد زعم بعضهم كذا" وهو توجيه نقدي واضح، كما أنَّه لم يعتمد من الأصل في النقل على من كان فيه مظنَّة شبهة، من أمثال محمد بن السائب الكلبي، ومقاتل بن سليمان إلا في النُّدرة، واعتمد على المؤلَّفات التي يثق بها مثل كتب سَيف بن عمر في التاريخ، كما أن رجال الحديث والتاريخ في الأصل لم يتشدَّدوا في الرواية التاريخية تشدُّدَهم في الحديث النبوي الشريف، وكان عمل الطبري في التاريخ جليلًا، لأنه حفظ لنا الروايات من الضياع، ونسّقها تنسيقًا جيدًا، ولولاه لضاع معظمها، وحُرمنا من معرفتها.

٢ - عدم ذكر الكتب والمؤلفات: كان الطبري يَرْوي التاريخ عن الرواة والمؤرخين، دون أن يحدِّد الكتاب المأخوذ منه، وكان لكثير منهم عدد من الكتب، فسَيف بن عمر له كتاب الفتوح، والردة، وموقعة الجمل، وغيرها، والواقدي له كتاب المغازي، والردة، والتاريخ الكبير، وهشام الكلبي له مئة وأربعون كتابًا ذكرها ابن النديم، واستخرج فرانز روزنثال أسماء الكتب الواردة

<<  <  ج: ص:  >  >>