إن الأميرَ بعده علِيُّ ... وفي الزبير خَلَفٌ رضيُّ
قال كعب: كَذبتَ! صاحب الشَّهْباء بعده -يعني: معاوية- فأخبِر معاوية، فسأله عن الذي بلغه، قال: نعم، أنت الأمير بعده، ولكنّها والله لا تصل إليك حتى تُكذّب بحديثي هذا. فوقعتْ في نفس معاوية.
وشارَكَهم في هذا المكان أبو حارثة وأبو عثمان، عن رَجاء بن حَيوة وغيره. قالوا: فلما وردَ عثمانُ المدينة ردّ الأمرِاءَ إلى أعْمالهم، فمضَوا جميعًا، وأقام سعيد بعدَهم، فلما ودّع معاويةُ عثمان خرج من عنده وعليه ثياب السفر متقلدًا سيفه، متنكّبًا قَوسَه، فإذا هو بنفر من المهاجرين، فيهم طلحة والزبير وعليّ، فقام عليهم، فتوكّأ على قوسه بعد ما سلّم عليهم، ثم قال: إنّكم قد علمتم أنّ هذا الأمر كان إذ الناس يتغالبون إلى رجال، فلم يكن منكم أحد إلّا وفي فصيلته من يَرْئِسه، ويستبدّ عليه، وتقطع الأمرَ دونَه، ولا يُشهِده، ولا يؤامرُه، حتى بعث الله جلّ وعزّ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم -، وأكرم به من اتبعه، فكانوا يُرَئَسون من جاء من بعده، وأمرهم شُورَى بينهم، يتفاضلون بالسابقة والقُدْمة والاجتهاد؛ فإن أخذوا بذلك وقاموا عليه كان الأمر أمرهم، والناس تبعا لهم، وإن أصغَوا إلى الدّنيا وطلبوها بالتغالُب سُلِبوا ذلك، وردّه الله إلى من كان يرئِسُهم. وإلّا فليَحذروا الغِيَرَ، فإنّ الله على البَدَل قادر، وله المشيئة في ملكه وأمره. إنّي قد خلّفت فيكم شيخًا فاستوصُوا به خيرًا، وكانفوه تكونوا أسعدَ منه بذلك، ثم ودّعهم ومضى؛ فقال عليّ: ما كنتُ أرى أنّ في هذا خيرًا؛ فقال الزبير: لا والله، ما كان قطّ أعظمَ في صدرك وصدورنا منه الغَداة.
رجع الحديث إلى حديث سيف، عن شيوخه:
وكان معاوية قد قال لعثمان غداة ودّعه وخرج: يا أميرَ المؤمنين، انطلق معي إلى الشام قبل أن يَهجم عليك مَن لا قِبَل لك به، فإنّ أهل الشام على الأمر لم يزالوا. فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء؛ وإن كان فيه قَطع خَيطِ عنقي. قال: فأبعثُ إليك جندًا منهم يقيم بين ظَهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينةَ أو إياك. قال: أنا أقَتِّر على جيران رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأرزاق بجندٍ تساكنهم، وأضيّق على أهل دار الهجرة والنصرة! قال: والله يا أمير المؤمنين، لتُغتالنَّ أو لتُغزَيَنّ! قال: حسبيَ الله ونعم الوكيل. وقال معاوية: يا أيسار الجَزُور، وأين