أيسار الجَزور! ثم خرج حتى وقف على النفر، ثم مضى. وقد كان أهل مصر كاتبوا أشياعَهم من أهل الكوفة وأهل البصرة وجميعَ من أجابهم أن يثوروا خلاف أمرائهم. واتّعدوا يومًا حيث شخص أمراؤهم، فلم يستقم ذلك لأحد منهم، ولم ينهض إلا أهل الكوفة، فإنّ يزيد بن قيس الأرحبيّ ثار فيها، واجتمع إليه أصحابُه، وعلى الحرب يومئذ القَعقاع بن عمرو - فأتاه فأحاط النَّاس بهم وناشَدوهم؛ فقال يزيد للقَعقاع: ما سبيلك عليّ وعلى هؤلاء! فوالله إني لسامع مطيع، وإني للازم لجماعتي إلا أنّي أستعفي ومَن ترى من إمارة سعيد، فقال: استعفى الخاصةُ من أمر قد رضيَتْه العامة؟ ! قال: فذاك إلى أمير المؤمنين. فتركهم والاستعفاء، ولم يستطيعوا أن يُظهروا غيرَ ذلك، فاستقبلوا سعيدًا، فردّوه من الجَرَعة، واجتمع الناسُ على أبي موسى، وأقرّه عثمان رضي الله تعالى عنه. ولما رجع الأمراء لم يكن للسّبئيّة سبيل إلى الخروج إلى الأمصار، وكاتبوا أشياعَهم من أهل الأمصار أن يتوافَوْا بالمدينة لينظروا فيما يريدون، وأظهَروا أنهم يأمرون بالمعروف، ويسألون عثمان عن أشياءَ لتطير في الناس، ولتُحقَّق عليه؛ فتوافَوا بالمدينة، وأرسل عثمان رجلين: مخزوميًّا وزُهْريًّا، فقال: انْظُرا ما يريدون، واعلما علمَهم - وكانا ممن قد ناله من عثمان أدب، فاصطَبَرا للحقّ، ولم يضطغنا - فلما رأوهما باثُّوهما وأخبِروهما بما يريدون، فقالا: مَن معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة نَفر، فقالا: هل إلّا؟ قالوا: لا! قالا: فكيف تريدون أن تصنعوا؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعنْاها في قلوب الناس، ثم نرجع إليهم فنزعم لهم أنا قرّرناه بها، فلم يخرج منها ولم يتب، ثم نخرج كأنا حجّاج حتى نقدم فنحيطَ به فنخلَعه، فإنْ أبى قتلناه. وكانت إيّاها، فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك وقال: اللهمّ سلِّم هؤلاء، فإنك إن لم تُسلّمهم؛ شقُوا.
أمَّا عمار فحَمل على عباس بن عتبة بن أبي لهب وعَرَكه. وأما محمد بن أبي بكر فإنه أُعِجب حتى رأى أنّ الحقوق لا تلزمه، وأمّا ابن سهلة فإنه يتعرّض للبلاء، فأرسل إلى الكوفيين والبصريّين، ونادى: الصلاة جامعة! وهم عنده في أصل المنبر، فأقبلَ أصحابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحاطوا بهم، فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرَهم خبرَ القوم، وقام الرجلان، فقالوا جميعًا: اقتُلهم، فإنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ دعا إلى نفسه أو إلى أحد وعلى الناس إمام فعليه لعنةُ الله