قلنا: فهؤلاء ثلاثة من أئمة الحديث والتأريخ (الطبري، خليفة بن خياط، ابن شبة) ثلاثتهم رووا هذه الرواية المهمة من طريق أبي نضرة به، ولكن الطبري زاد زيادة لم نجدها عند خليفة ولا عند ابن شبة وهو قوله: (وقالوا: هذا مكر بني أمية) أما بقية الرواية فهي متفقة في المعنى عند الثلاثة إلا في مواضع يسيرة كقوله عند الطبري: (ثم أخذوا بأشياء لم يكن عنده منها مخرج) بينما العبارة غير موجودة أصلًا عند خليفة بل هي هكذا (فما يزيدون فأخذوا ميثاقه وكتبوا عليه شرطًا وأخذ عليهم ألّا يشقوا عصًا ولا يفارقوا جماعة ما أقام لهم شرطهم، ثم رجعوا راضين) أما عند عمر بن شبة فهي هكذا: (فقالوا: والله لقد أحسنت يا أمير المؤمنين في خصال سألوه عنها فتاب فيها ورجع عنها كل ذلك وهم يقولون: قد أحسنت يا أمير المؤمنين قال: فانفروا وتفرقوا). على أية حال هذه الرواية الصحيحة تبيّن أمورًا اتفق عليها المؤرخون الثلاثة: ١ - كان سيدنا عثمان واسع الصدر مهتمًا بأمور رعيته لا يحجبه عنهم حاجب وذهب بنفسه لملاقاة وفود الغاضبين عليه ليحاورهم ويجد ما عندهم ويرضيهم. ٢ - فنّد سيدنا عثمان ما راود الوفود من شبهات حول سياسته في إدارة الحكم. ٣ - اقتنعوا بما شرحه لهم أمير المؤمنين وخرجوا من عنده راضين. ٤ - قام بعض المغرضين بتزوير كتاب باسم أمير المؤمنين وزوروا ختمه وكذلك زوّروا كتابًا باسم سيدنا علي كل ذلك لأنهم لم يرضوا بالوئام والصفاء الذي عاد إلى صفوف الأمة المسلمة. ونعود إلى ذكر بقية الشواهد للرواية السابقة (٤/ ٧٤٤): ٢ - أخرج خليفة بن خياط في تأريخه قال: ثنا ابن علية قال أخبرنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير قال: (قلت لعثمان: إنا معك في الدار عصابة مستبصرة ينصر الله بأقل منهم، فائذن لنا. فقال: أذكر الله رجلًا أهرق في دمه، أو قال دمًا) (تأريخ خليفة / ١٧٣) وإسناده حسن. ٣ - أخرج البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، من أحدث فيها حدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". (فتح الباري ٤/ ٩٧).