وأقبل أبو هريرة، والناس محجمون عن الدّار إلا أولئك العُصبة، فدسروا فاستقتلوا، فقام معهم، وقال: أنا أسوتكم؛ وقال: هذا يوم طابَ امْضَرْب -يعني أنه حَلّ القتال، وطاب وهذه لغة حِمير- ونادى: يا قوم، مَالِي أدعُوكُم إلى النَّجَاةِ وتَدْعُونني إلى النَّارِ! وبادر مروان يومئذ ونادى: رجل رجل، فبرز له رجل من بني لَيث يدعَى النّبَاع؛ فاختلفا، فضربه مروان أسفل رجليه، وضربه الآخر على أصل العُنق فقلبه، فانكبّ مروان، واستلقى، فاجترّ هذا أصحابه، واجترّ الآخر أصحابه؛ فقال المصريون: أما والله لولا أن تكونوا حجة علينا في الأمة لقد قتلناكم بعد تحذير، فقال المغيرة: مَن يبارز؟ فبرز له رجل فاجتلد، وهو يقول:
أضربُهُمْ باليابِس ... ضَرْبَ غَلامٍ بائس
من الحياةِ آيِس
فأجابه صاحبه ... وقال الناس: قتل المغيرة بن الأخنس، فقال الذي قتله: إنا لله! فقال له عبد الرحمن بن عُديس: مَا لك؟ قال: إني أُتِيت فيما يرى النائم، فقيل لي: بشّر قاتلَ المغيرة بن الأخنس بالنار؛ فابتُليت به، وقَتَل قَباث الكِنانيّ نِيار بن عبد الله الأسلميّ، واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملؤوها ولا يشعر الذين بالباب، وأقبلت القبائل على أبنائهم؛ فذهبوا بهم إذ غُلبوا على أميرهم، وندبوا رجلًا لقتله، فانتدَب له رجل، فدخل عليه البيت، فقال: اخلعها وندَعك، فقال: ويحك! والله ما كشفتُ امرأةً في جاهليّة ولا إسلام، ولا تغنّيت ولا تمنيّت، ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولست خالعًا قميصًا كسانيه الله عزّ وجلّ، وأنا على مكاني حتى يكرم الله أهل السعادة، ويهين أهل الشقاء.
فخرج وقالوا: ما صنعت؟ فقال: علِقنا والله؛ والله ما ينجينا من الناس إلا قتله، وما يحلّ لنا قتله؛ فادخَلوا عليه رجلًا من بني ليث، فقال: ممن الرجل؟ فقال: ليثيّ؛ فقال: لستَ بصاحبي، قال: وكيف؟ فقال: ألست الذي دعا لك النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر أن تُحفَظُوا يوم كذا وكذا؟ قال؛ بلى، قال: فلن تضيع؛ فرجع وفارق القوم، فأدخلوا عليه رجلًا من قريش، فقال: يا عثمان! إني قاتلُك، قال: كلّا يا فلان، لا تقتلني! قال: وكيف؟ قال: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استغفر لك