وأخيرًا فإن بروكلمان يفجّر قذيفة أخرى من قذائف الحقد والدس على التاريخ الإسلامي فيقول: (فحاصروه في منزله حيث لم يدافع عنه غير نفر قليل من أنسابه وبعض الموالي والعبيد، أما المحرضون الفعليون للثورة: علي، وطلحة، والزبير؛ فآثروا أن يتباعدوا إنقاذًا للمظاهر) (تأريخ الشعوب / ١١٤). أما قول بروكلمان: (فحاصروه في منزله حيث لم يدافع عنه غير نفر قليل) فالروايات الصحيحة المستفيضة تذكر: أن الصحابة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره طلبوا من الخليفة أن يأذن لهم فيهجموا هجمة رجل واحد، ويذبحوا جيش الخارجين عن المدينة، ولكنه أقسم عليهم ألّا يريقوا دمًا من أجل الدفاع عنه، فسمعوا، وأطاعوا للخليفة، وطاعته واجبة. وهذا سيدنا علي خير شاهد على نكذيب بروكلمان؛ إذ يقول عنه شداد بن أوس: فرأيت علي بن أبي طالب خارجًا من منزله معتمًا بعمامة رسول الله متقلدًا سيفه أمامه الحسن وعبد الله بن عمر في نفر من المهاجرين والأنصار ... إلخ وفيه: يقول علي: فمرنا فلنقاتل فقال عثمان: أنشد الله رجلًا رأى حقا وأقرّ أن لي عليه حقًّا أن يهريق في سبيلي ملء محجمة من دم، أو يهريق دمه فيّ، فأعاد علي رضي الله عنه عليه القول، فأجابه بمثلٍ ما أجابه. قال (أي: شداد بن أوس الصحابي الجليل راوي الحديث): فرأيت عليًّا خارجًا من الباب وهو يقول: اللهم إنك تعلم أنا بذلنا المجهود. (المحب الطبري / الرياض النضرة ٣/ ٦٨). وأخرج ابن سعد في طبقاته: أن زيد بن ثابت رضي الله عنه جاء إلى عثمان رضي الله عنه وهو محاصر في الدار فقال زيد: (هذه الأنصار في الباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله. مرتين. قال: فقال عثمان: أما القتال فلا) الطبقات الكبرى (٣/ ٧٠) وابن أبي شيبة (٨/ ٦٨٢) وإسناده صحيح والله أعلم. وأخرج ابن سعد (الطبقات ٣/ ٧١) عن ابن سيرين قال: كان مع عثمان يومئذ في الدار سبعمئة لو يدعهم لضربوهم إن شاء الله حتى يخرجوهم من أقطارها؛ منهم ابن عمر، والحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، وإسناده صحيح. قلنا: وإذا كان في الدار فقط (٧٠٠) فما بال الذين في أرجاء المدينة الأخرى؟ ! والحق يقال: إن جمع الصحابة قد تفرق عن الدار بأمر أمير المؤمنين فاستغل القتلة ذلك وتسوروا الدار فقتلوه رضي الله عنه. ولكن الصحابة مع ذلك لم يتحملوا أن يتركوه وحده تماما وبالذات الذين ذكرهم، فهم كانوا بين أمرين: الطاعة لأمر الخليفة، والخوف عليه إن أطاعوه وتركوه وحده، وتوفيقًا بين الأمرين خرجوا ولكنهم تركوا حوله فلذات أكبادهم (أبناءهم) الذين هم قرة أعينهم تركوهم ليدافعوا عن الخليفة المظلوم؛ فهل كان (عبد الله بن الزبير) من أنسبائه أم كان ابنًا للزبير الذي يزعم بروكلمان زورًا: أنه المحرض الفعلي للثورة؟ وماذا يقول =