للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا طلحة! أنشدكما الله أقلت لكما: ما تأمراني، فقلتما: عليّ؟ فقلت: أتأمراني به وترضيانه لي؟ فقلتما نعم، قالا: نعم ولكنه بدَّل. فقلت: والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أقاتل رجلًا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرتموني ببيعته ... إلخ).
قلنا: ورجال هذا الإسناد ثقات غير محمد بن جأوان الذي رواه عن الأحنف بن قيس فقد وثقه ابن حبان وروى له النسائي وقال الذهبي: ثقة. والحديث أخرجه الطبري مرة أخرى ولكن بسند آخر من طريق عمرو بن جاوان عن الأحنف بن قيس (٤/ ٤٩٩) وصحح الحافظ ابن حجر إسناده (فتح الباري ١٣/ ٣٨).
قلنا: وفي النفس شيء من لفظة (قالا: نعم. ولكنه بدّل) فإن عائشة والزبير وطلحة رضي الله عنهم نصحوا الناس ببيعة علي، ولم يخرجوا لأن عليًّا رضي الله عنه بدل، وإنما خرجوا إصلاحًا بين الناس، وطلبًا للقصاص من قتلة عثمان، لذا فإنا نرجح أن هذه العبارة (ولكنه بدّل) عبارة شاذة والأرجح أنهم سكتوا ولم يقولوا: (بدل) والذي يدفعنا إلى ذلك هو ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رواية عن عبد الله بن بديل الخزاعي (١٥/ ٢٨٥ / ح ١٩٦٧٧) وفي الرواية أنه قال لعائشة رضي الله عنها: (يا أم المؤمنين أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان فقلت: ما تأمريني، فقلت: الزم عليًّا؟ فسكتت) وجوّد ابن حجر إسناد هذه الرواية (الفتح ١٣/ ٦٢). وكذلك كان جواب عائشة لعمار بعد انتهاء المعركة عندما عاتبها على خروجها فلم تسكت فحسب بل مدحت عمارًا، وأثنت عليه بأنه قوّال للحق، وسنتحدث عن هذه الرواية بعد قليل (٤/ ٥٤٥ / ح ١٣٤٢).
وإن كانت هذه العبارة: (ولكنه بدَّل) من مقولة عائشة والزبير وطلحة رضي الله عنهم فتأويل ذلك أنهما قصدا بذلك أن عليا رضي الله عنه أرجأ مسألة القصاص من القتلة حتى إشعار آخر؛ ريثما تستتب الأمور وتستقر دعائم الخلافة بعد فتنة مقتل سيدنا عثمان الخليفة الراشد الثالث رضي الله عنه.
٢ - كان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يرى أن الأوجب أن تستقر أمور الخلافة أولًا ولا يتعجل في التحقيق في ملف الفتنة وملاحقة الجناة، وذلك لأن الفتنة حديثة العهد والقتلة ينتمون إلى قبائل ولهم صلات بأهل بعض الأمصار، فإذا فعل ذلك اشتعلت الفتنة أكثر، فلا بد من إطفاء النيران حتى تتوضح الأمور للناس وعندها يمكن القصاص من قتلة عثمان دون إثارة أية ضجة؛ ولذلك أرسل عمارًا والحسن إلى الكوفة يوضحان لأهل الكوفة والمجاهدين فيها وأعيان البلد أن الواجب هو طاعة الإمام الأعظم فيما يقوم به من سياسة شرعية وأن عليهم أن يطيعوا ولي الأمر، وأن طاعة الخليفة تُقدم في هذه الحالة على طاعة السيدة عائشة على جلالة قدرها فإنها اجتهدت في موقفها هذا، وقرار علي أصوب، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي وائل قال: (لما بعث علي عمارًا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم؛ خطب =

<<  <  ج: ص:  >  >>