وهناك رواية أخرى تسُد أفواه المبتدعة والحاقدين على التأريخ الإسلامي؛ فقد أخرج الترمذي في سننه (٥ / ح ٣٨٨٨): حدثنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن غالب: أن رجلًا نال من عائشة رضي الله عنها عند عمار فقال: اغرب مقبوحًا منبوحًا أتؤذي حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلنا: ورجال هذا الإسناد رجال الصحيح (ومنهم أئمة الحديث كسفيان وابن مهدي) غير عمرو بن غالب وهو ثقة فقد وثقه النسائي وابن حبان ولم نعلم فيه جرحًا وصحح الترمذي حديثه والله تعالى أعلم. ويرى الأستاذ خالد الغيث في رسالته القيمة: أن عمارًا رضي الله عنه قال كلامه هذا عن عائشة رضي الله عنها بناءً على عدم معرفته بحقيقة خروج أصحاب الجمل، وهو أنهم قد خرجوا للإصلاح بين الناس. اهـ. (استشهاد عثمان ووقعة الجمل / ١٨٥) وكلام الأستاذ خالد الغيث فيه نظر؛ فإن الروايات الصحيحة تؤكد أنهم خرجوا إصلاحًا بين الناس وهذا مقصد من مقاصدهم، أما المقصد الآخر فهو خروجهم طلبًا للقصاص من قتلة سيدنا عثمان ولو أننا نعلم أنهم ما خرجوا بهدف القتال كما تؤكد الروايات الصحيحة وكل ذلك يتبين من الآتي: ٣ - أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (١٥/ ٢٨٧ / ح ١٩٦٧٩) عن زيد بن وهب (فقال علي لطلحة والزبير: ألم تبايعاني؟ فقالا: نطلب بدم عثمان) وإسناده حسن. أي أن من مقاصد خروجهما الإسراع بالقصاص من قتلة أمير المؤمنين عثمان، وهذا مقصد واحد أرادا تحقيقه من خلال المصالحة بين الناس لا القتال. كما: أخرج الإمام أحمد في المسند (٦/ ٥٢): لما أقبلت عائشة رضي الله عنها مياه بني عامر ليلًا نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلّا أنني راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عزَّ وجلَّ ذات بينهم. قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها ذات يوم: (كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب) وفي رواية أخرى لأحمد (المسند ٦/ ٩٧): (ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب. فقال لها الزبير: ترجعين؟ ! عسى الله عزَّ وجلَّ أن يصلح بك بين الناس). قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٦/ ٢١٢): وهذا إسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الذهبي في سير أعلام النبلاء (٢/ ١٧٨). وهذا الحديث العظيم يدل على أن الإصلاح كان الهدف الرئيسي لخروج عائشة والزبير =