وكانت السيدة عائشة ترى أنها بمنزلتها في قلوب المسلمين فهي أمهم بنص كتاب الله كما في (مغازي الزهري / ١٥٤) أن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدًا. ويؤيد رواية الزهري هذه ما ذكرنا من رواية أحمد الصحيحة من أن الزبير حثّها على عدم الرجوع عسى أن يراها الناس فيصلح الله بها بينهم. ٥ - كان خروج سيدنا علي رضي الله عنه قاصدًا الكوفة ولكن عند وصوله إلى ذي قار علم بالاضطراب الشديد الحاصل في البصرة كما وصفت رواية خليفة السابقة، وخشي أمير المؤمنين على أن تحدث فتنة أعظم من الفتنة في عهد سيدنا عثمان فقصد البصرة من ذي قار ومعه أهل الكوفة، والروايات الصحيحة تؤكد أن الطرفين كانا حريصين كلّ الحرص على تجنب القتال وحلّ المسألة سلميًّا، ولكن قتلة عثمان ومثيري الفتنة كالسبئية وغيرهم لم يرق لهم الصلح فحرّضوا بين الطرفين وهكذا اشتعل القتال كما تؤكد المصادر التأريخية الموثوقة ومع ذلك بقي أعيان الصحابة وعلى رأسهم علي وطلحة والزبير وعائشة موقف المدافع قدر الاستطاعة خشية إراقة المزيد من الدماء، ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله: (ثم إن القتلة أحسوا باتفاق الأكابر، فأثاروا الفتنة، وبدؤوا بالحملة على عسكر طلحة والزبير وقالوا لعلي: إنهم حملوا قبل ذلك، فقاتل كل من هؤلاء وهؤلاء دفاعًا عن نفسه، ولم يكن لعلي ولا طلحة والزبير غرض في القتال أصلًا وإنما كان الثأر من قتلة عثمان) (منهاج السنة ٦/ ٤٦٦). ٦ - ولم يكن أحد من الطرفين مدافعا عن قتلة عثمان أو صحبًا لهم وإنما كانا يدعوان على هؤلاء القتلة علمًا منهما بأنهما هم أساس الفتنة، كما أخرج الإمام أحمد في فضائل الصحابة (١/ ٤٥٥) بسند صحيح عن محمد بن الحنفية قال: (بلغ عليًّا: أن عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد، قال: فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال: وأنا ألعن قتلة عثمان لعنهم الله في السهل والجبل. قال مرتين، أو ثلاثًا). ٧ - لم يكن لأحد من الطرفين من الصحابة رغبة في القتال وأثناء المعركة كان أحدهم يتمنى أن يقتل مظلومًا، وبعد انتهاء المعركة القصيرة التي دامت لفترة ما بين الظهر وغروب الشمس تألم الطرفان ألمًا شديدًا، فالقتال لم يكن هدفهم وإنما الصلح كان هدف الطرفين وما كان بحسبان الطرفين أن الأمر سيصل إلى القتال ولكن مثيري الفتنة أشعلوا القتال بين الطرفين فقتل من قتل وكان أمر الله قدرًا مقدورًا. =