للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الدين كما يَمرُق السهم من الرميّة، علامتهم رجل مخْدَج اليد. قال: وسمعتُ ذلك منه مرارًا كثيرة، قال: وسمعه نافع "المخدج" أيضًا حتى رأيته يتكرّه طعامه من كثرة ما سمعه، يقول: وكان نافع معنا يصلي في المسجد بالنهار ويبيت فيه بالليل، وقد كنت كسوتُه بُرْنُسًا، فلقيته من الغد، فسألتُه: هل كان خرج مع الناس الذين خرجوا إلى حَرُوراء؟ فقال: خرجت أريدُهم حتى إذا بلغت إلى بني سعد، لقيَني صِبيان فنزَعوا سلاحِي، وتلعّبوا بي، فرجعت حتى إذا كان الحوْل أو نحوه خرج أهل النّهر، وسار عليّ إليهم، فلم أخرج معه وخرج أخي أبو عبد الله. قال: فأخبرني أبو عبد الله: أن عليًّا سار إليهم حتى إذا كان حذاءَهم على شطّ النّهروان أرسل إليهم يناشدُهم اللهَ ويأمرهم أن يرجعوا، فلم تزل رسُلُه تختلف إليهم، حتى قَتَلوا رسولَه، فلما رأى ذلك نهض إليهم فقاتَلَهم حتى فرغ منهم، ثم أمر أصحابه أن يلتمسوا المخدَج، فالتمسوه، فقال بعضهم: ما نجدهُ، حتى قال بعضهم: لا، ما هو فيهم. ثم إنه جاء رجل فبشّره وقال: يا أمير المؤمنين! قد وجدناه تحت قَتيلين في ساقِيَة. فقال: اقطَعوا يدَه المخدَجة، وائْتُوني بها، فلما أُتِي بها أخذَها ثم رَفَعها، وقال: والله ما كَذَبْتُ ولا كُذبتُ.

قال أبو جعفر: فقد أنبأ أبو مريم بقوله: "فرجعت حتى إذا كان الحول أو نحوه، خرج أهل النهر": أنّ الحرب التي كانت بين عليّ وأهل حَرُوراء كانت في السنة التي بعد السنة التي كان فيها إنكار أهل حَروراءَ على عليّ التحكيم، وكان ابتداء ذلك في سنة سبع وثلاثين على ما قد ثبت قبلُ، وإذا كان كذلك، وكان الأمر على ما روينا من الخبر عن أبي مريم، كان معلومًا أنّ الوقعة كانت بينه وبينهم في سنة ثمان وثلاثين (١). (٥: ٩١/ ٩٢).

وحجّ بالناس في هذه السنة -أعني: سنة سبع وثلاثين- عبيد الله بن عبّاس، وكان عامل عليٍّ على اليَمَن ومخاليفِها. وكان على مكة والطائف قُثَم بن العبّاس، وعلى المدينة سهل بن حُنَيف الأنصاريّ، وقيل: كان عليها تمّام بن العباس. وكان على البصرة عبد الله بن العباس، وعلى قضائها أبو الأسود


(١) إسناده حسن وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٥/ ٣٢٥) والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>