وإذا كان ذلك كذلك فهذا من أدلة بطلان قصة التحكيم بين أبي موسى وعمرو بن العاص وأن أبا موسى خلع صاحبه علي وأما عمرو بن العاص فقد ثبت صاحبه معاوية، وذلك لأن أهل الشام كانوا يرون في معاوية أميرًا وأما علي فهو أمير المؤمنين وخليفتهم، فما الداعي إذًا إلى خلع علي وتثبيت معاوية الذي لم يبايع أصلًا في حياة علي كخليفة للمسلمين؟ وأما بقية الأدلة على بطلان رفع المصاحف في صفين وخلع علي وتثبيت معاوية فسنذكرها بعد قليل إن شاء الله. ٣ - وبالمقابل فإن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه لم يكن ليتهم معاوية في دينه (حاشاه) ولكن كان يرى في جيشه طائفة شقت عصا الطاعة وخرجت على الخليفة بغير حق، وكان رضي الله عنه حريصًا على حقن دماء المسلمين في صفين، وكان يتمنى أن تراق هذه الدماء في ساحات أخرى؛ كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه في قصة الخوارج وحث علي لجنوده على قتالهم بعد أن قتلوا وأفسدوا، وفيه: (فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم! ! ) صحيح مسلم (٢/ ٧٤٨). وسنذكر الحديث بطوله إن شاء الله في قصة الخوارج. ٤ - وكذلك كان رأي أعيان الصحابة في صف علي رضي الله عنه ومن أشهرهم: عمار بن ياسر الذي وردت في حقه روايات كثيرة ورأيه من رأي سيدنا علي رضي الله عنه وإلّا لما قاتل معه. وقد أخرج الحاكم في المستدرك (٣/ ٣٩٢) وابن أبي شيبة في المصنف (١٥/ ٢٩٧) وأحمد في المسند (٤/ ٣١٩) حديثًا عن عمار رضي الله عنه وأرضاه، وفيه: (لا تقولوا: كفر أهل الشام، ولكن قولوا: فسقوا، وظلموا). وهذا كان رأي عمار حتى استشهد رضي الله عنه، فهو كان يرى في الجيش المقابل طائفة بغت على خليفة المسلمين وخرجت عليه فارتكبت بذلك فسقًا وظلمًا، وهذا هو معنى الضلالة التي قالها عمار في حق جيش أهل الشام. كما أخرج الحاكم في المستدرك (٣/ ٣٩٢) وابن أبي شيبة في المصنف (١٥/ ٢٩٧) وأحمد في المسند (٤/ ٣١٩) عن عمار رضي الله عنه أنه قال: (والذي نفسي بيده لو ضربنا حتى يبلغوا شعفات هجر لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على الضلالة) واللفظ لأحمد، ولفظ ابن أبي شيبة (مصلحتنا)، ولفظ الحاكم (صاحبنا) وقوله: (أنهم على الضلالة) أي بخروجهم على الإمام الأعظم =