للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بينهم قتلة سيدنا عمار رضي الله عنه، ولمّا علم جيش معاوية بذلك تألم كثير منهم وتبيّن لهم خطأ اجتهادهم وتغيّر لون الصحابي الجليل عمرو بن العاص (كما في رواية) وفي رواية أنه نبّه معاوية إلى هذا الحادث الخطير، فأخذ سيدنا معاوية يبحث عن مبرر يدفع به عنه وعن جيشه إثم قتل عمار رضي الله عنه حتى لا يكون من الفئة الباغية، وهذا جانب آخر من الجوانب الروحية أو المعنوية في التأريخ الإسلامي، فما خرج معاوية وعمرو إلّا بعد قناعتهما بصحة اجتهادهما في الخروج، وعندما تبيّن قتل عمار رضي الله عنه دبّ الشك في صحة اجتهادهما (وهذا ما لا يفهمه المستشرقون أو لا يكادون يدركونه) فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه (١١/ ٢٤٠ / ح ٢٠٤٢٧) عن معمر عن ابن طاووس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أخبره قال: لما قتل عمار بن ياسر، دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار. وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: تقتله الفئة الباغية، فقام عمرو يرجع فزعًا حتى دخل على معاوية فقال له معاوية: ما شأنك؟ فقال له: قتل عمار، فقال له معاوية: فماذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: تقتله الفئة الباغية. فقال له معاوية: دحضت في قولك أنحن قتلناه؟ إنما قتله عليّ وأصحابه جاؤوا به حتى ألقوه تحت رماحنا أو قال بين سيوفنا.
قلنا: وهذا إسناد صحيح. ونقول للمستشرقين: انظروا إلى قول الراوي (فقام عمرو فزعًا) فلو كان طالبًا للدنيا والملك فلماذا الفزع وقد قتل من الجيش المقابل علم من الأعلام؟ ألا إنه خشية الصحابة من أن يكونوا قد أخطؤوا في اجتهادهم فلم يكونوا بذلك مع الفرقة التي هي أقرب من الحق وأولى به (صف علي) وماذا يقول المبتدعة والمستشرقون في قول معاوية ومحاولة دفع تهمة القتل عن جيشه فهل كان معاوية حريصًا على قتله؟ وهذا الحديث الصحيح أخرجه كذلك الحاكم في مستدركه من طريق عبد الرزاق (٣/ ٣٨٦) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة ووافقه الذهبي وأخرجه أحمد في مسنده (٤/ ١٩٩) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وفيها: (أنحن قتلناه؟ إنما قتله من جاؤوا به فألقوه بين رماحنا، قال: فتنادوا في عسكر معاوية إنما قتل عمارًا من جاء به) رواه الطبري وأحمد باختصار وأبو يعلى بنحو الطبراني والبزار بقوله: تقتل عمارا الفئة الباغية عن عبد الله بن عمر وحده، ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات (مجمع الزوائد ٧/ ٢٤١).
قلنا: وكذلك أخرجه ابن سعد من وجه آخر وفيه: (فلما كان يوم صفين ذهبت انظر في القتلى فإذا عمار بن ياسر مقتول فقال هُني فجئت إلى عمرو بن العاص وهو على سريره فقلت: يا أبا عبد الله قال: ما تشاء؟ قلت: انظر أكلمك، فقام إليّ فقلت: عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تقتله الفئة الباغية، فقلت: هو ذا والله مقتول، فقال: هذا باطل، فقلت: بصرت به عيني مقتولًا، قال: فانطلق فأرنيه، فذهبت به فأوقفته عليه فساعة =

<<  <  ج: ص:  >  >>