للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ونجاحه في بعض مهامه المناطة به وخاصة بعد وفاة الحسن دفعت معاوية رضي الله عنه إلى التفكير في تولية زياد الحكم من بعده واستتباب الأمور له قبل أن يتوفاه الله ظنًّا منه أن كلمة المسلمين ستجتمع على ابنه يزيد وينعم المجتمع الإسلامي بالأمن فاجتهد معاوية رضي الله عنه فاختار ابنه يزيد للخلافة من بعده ولكن اجتهاده هذا كان مرجوحًا لأنه بذلك أحدث شرخًا كبيرًا بتعطيله ركنًا أساسيًا من أركان السياسة الشرعية وأعني ركن الشورى والله أعلم - ونحن لا نظن بصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا خيرًا فنقول: أراد أمير المؤمنين معاوية أن يجمع أمر المسلمين من بعده على رجل أنسب للحكم فوجد ابنه الرجل المناسب فاجتهد فلم يصب في اجتهاده وخالف الشورى فلم يأخذ برأي أهل الحل والعقد قبل أن يعلن عن اجتهاده هذا، نعم هذا ما نظنه في معاوية رضي الله عنه وإن كنا أمرنا باجتناب الظن. فاجتنابنا للظن في حق الصحابة أولى ولم ترد رواية صحيحة السند تبين أن معاوية أراد شرًّا بالمسلمين حين ولاهم ابنه من بعده ولا يستبعد أن يكون لعاطفة الأبوة دور في ذلك الاختيار ولكن لا دليل على ذلك ولقد ذكر ابن كثير فقال:
ولما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية وسيما أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته وكان ظن أن لا يقوم أحد من الصحابة في هذا المعنى، ولهذا قال لعبد الله بن عمر فيما خاطبه به:
إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع، فقال له ابن عمر: إذا بايعه الناس كلهم بايعته ولو كان عبدًا.
٣ - ولقد قلنا في بداية حديثنا هذا أن الروايات التي تتحدث عن أخذ معاوية البيعة لابنه يزيد لا تخلو أسانيدها من مقال ولكن أعرضنا عن الروايات الضعيفة الأسانيد جدًّا وسنذكر أقلها ضعفًا أي أصحّ ما علمنا في الباب والله أعلم. فلقد أخرج خليفة:
حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال: حدثني أبي قال: نا النعمان بن راشد عن الزهري عن ذكوان مولى عائشة قال: لما أجمع معاوية أن يبايع لابنه يزيد، حجَّ فقدم مكة في نحو من ألف رجل، فلما دنا من المدينة خرج ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلما قدِمَ معاوية المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر ابنه يزيد فقال: من أحقُّ بهذا الأمر منه، ثم ارتحل فقدم مكة فقضى طوافَهُ، ودخل منزله، فبعث إلى ابن عمر، فتشهد وقال: أما بعد يا بن عمر فإنك قد كنتَ تحدثني أنك لا تحب أن تَبيت ليلةً سوداء ليس عليك أمير، وإني أحذرك أن تَشُقَّ عصا المسلمين، وأن تسعى في فساد ذات بينهم، فلما سكت تكلم ابن عمر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنه قد كانت قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وإنك تحذِّرني أن أشق عصا المسلمين وأن أسعى في فساد ذات بينهم، ولم أكن لأفعل. =

<<  <  ج: ص:  >  >>