فقال معاوية: اللهم اكفنيه بمَا شئت، ثم قال: على رِسلك أيها الرجل لا تشرفن بأهل الشام - فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك - حتى أخبر العشية أنك قد بايعت ثم كن بعد ذلك على ما بدا لك من أمرك. ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: يا بن الزبير إنما أنت ثعلب روَّاغ كلما خرج من جحر دخل آخر، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما وحملتهما على غير رأيهما، فتكلم ابن الزبير فقال: إن كلنت قد مللتَ الإمارة فاعتزلها، وهلُمَّ ابنك فلنبايعه، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع؟ لأيكما نطيع؟ ! لا نجمع البيعة لكما والله أبدًا. ثم قام، فراح معاوية فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذوات عواز، زعموا أن ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر الصديق لم يبايعوا يزيد! قد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له فقال: أهل الشام لا والله لا نرضى حتى يبايعوا على رؤوس الناس وإلا ضربنا أعناقهم، فقال: منه سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالسوء، لا أسمع هذه المقالة من أحد بعد اليوم، ثم نزل، فقال الناس: بايع ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر، ويقولون: لا والله ما بايعنا. ويقول الناس: بلى لقد بايعتم، وارتحل معاوية فلحق بالشام. (تأريخ خليفة / ٢١٣، ٢١٤). قلنا: ورجال هذا الإسناد رجاله الصحيح سوى النعمان بن راشد وهو صدوق سيئ الحفظ. ٤ - وأما ما ورد من تهديد سيدنا معاوية لأعيان الصحابة (العبادلة الأربعة) وممارسة التخويف والضغط فلا يصح إسناده ومن ذلك ما أخرجه خليفة من طريق جويرية بن أسماء قال: (سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون أن معاوية ... الخبر) وهذا يعني أن في الإسناد مجاهيل فكيف نعتمد عليها في الاحتجاج والله أعلم. ٥ - ولعل من قائل يقول إذا كان هذا الأمر المستحدث (ولاية العهد لابن الخليفة) مخالفًا لأصول السياسة الشرعية المتبعة في عهد الخلافة الراشدة فلماذا بايع عدد من الصحابة ليزيد وفي مقدمتهم فقيه الصحابة عبد الله بن عمر؟ قلنا: إنهم فعلوا ذلك اعتمادًا على أصل من أصول السياسة الشرعية ألا وهو الأخذ بالمصلحة الشرعية الراجحة عند (خوف الفتنة) وافتراق الأمة، كما أخرج خليفة بن خياط قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: نا سفيان عن محمد بن المنكدر. قال ابن عمر حين بويع يزيد بن معاوية: إن كان خيرًا رضينا وإن كان بلاءً صبرنا - (تأريخ خليفة / ٢١٧). =