للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فما زلت أظن أني مبتلى بعمل حتى وليت، ورواه غالب القطان عن الحسن قال سمعت معاوية يخطب وهو يقول: صببت يومًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضوءه فرفع رأسه إليّ فقال: "أما إنك ستلي أمر أمتي بعدي، فإذا كان ذلك فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم، قال: فما زلت أرجو حتى قمت مقامي هذا".
وروى البيهقي عن الحاكم بسنده إلى إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير قال: قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن ملكت فأحسن" قال البيهقي: إسماعيل بن إبراهيم هذا ضعيف، إلّا أن للحديث شواهد. (البداية والنهاية ٨/ ١٢٦).
٤ - والعجيب أن الدكتور يوسف العش الذي شغل مناصب منها عمادة كلية الشريعة بدمشق (وأستاذ التأريخ كذلك) فقد ألّف كتابًا قيّمًا بعنوان (الدولة الأموية) واعتمد في أحداث الفتنة على الروايات الصحيحة بعد تمحيصها من الروايات الضعيفة وأجاد في مواضع كثيرة في الكتاب إلّا أنه أخْفق في تقييمه لبعض جوانب شخصية معاوية - رضي الله عنه - إذ قال: إن مهمة الخلافة عند معاوية هي صيانة الأمة وإدارتها وتوطيد الحكم فيها أكثر منها توثيق الأحكام الفقهية وإدخال تلك الأحكام في حياة الأفراد والإشراف عليها في أعمالهم الجزئية، الخلافة في نظره تخدم الفكرة الإسلامية عامة لا الأحكام الشرعية خاصة" (الدولة الأموية / ١٤٠).
ويقول الأستاذ يوسف العش رحمه الله "غاية الحكم عند معاوية هي رفع مستوى الأمة بإجمالها لا تحقيق العدالة الفردية، وهو قد يتساهل في بعض الأحكام التفصيلية أمام المصلحة العامة، ومنذ عصر معاوية نرى قاعدة في الحكم الإسلامي هي تقديم مصلحة الدولة عامة على تفاصيل الأحكام الفقهية وعلى مصلحة الأفراد الخاصة" (الدولة الأموية / ١٤٠).
ولقد تدارك الأستاذ العش بعض ما قاله هنا فقال بعد أسطر "ولا يوجد في الواقع اختلاف بين تلك المصالح العليا وبين التفاصيل الفقهية إلا في حالات معينة" (الدولة الأموية / ١٤١).
وعلى أية حال فكلام الدكتور العش ذو تشعبات طويلة وبحاجة إلى نقد كبير إلا أننا نركز هنا على قوله: "إن مهمة الخلافة عند معاوية هي صيانة الأمة وإدارتها وتوطيد الحكم فيها أكثر منها توثيق الأحكام الفقهية وإدخال تلك الأحكام في حياة الأفراد والإشراف عليها في أعمالهم الجزئية" فنقول وبالله التوفيق:
لا يوجد اختلاف بين المصالح العليا للأمة المسلمة وبين التفاصيل الفقهية حتى في الحالات المعينة التي قالها الدكتور العش: هذا أولًا. وثانيًا: فإن أمير المؤمنين معاوية كان مهتمًا بأصول السياسة الشرعية اهتمامًا بالغًا وفي الوقت عينه كان متتبعًا للأحكام الفقهية وحريصًا على تطبيقها في الحياة اليومية للناس وحتى إن كانت جزئية وسنبدأ بذكر الأمثلة ابتداءً من المخطوط العامة للسياسة الشرعية وانتهاءً بالأحكام الفقهية والتفاصيل الجزئية: =

<<  <  ج: ص:  >  >>