ولعل بعض الباحثين يعتقد أن نقد الرواية التاريخية أمر مستحدث يأخذ به من يريد أن يكتب التاريخ كما يتمنى وخاصة عند المؤرخين المعاصرين الملتزمين بالمنهج الإسلامي في البحث وليس الأمر كذلك فلو رجعنا إلى المؤرخين المتقدمين العمالقة كالطبري مثلًا الذي ترك لنا هذا السفر الضخم نراه يؤكد وجود روايات غير صحيحة في تاريخه جمعها من باب المقارنة بين المصادر التاريخية المختلفة ومن باب الأمانة العلمية ولقد عاش الطبري في عصر كانت فيه علوم الرواية وتراجم الرجال معروفة لدى العلماء فلعله لهذا السبب ولأسباب أخرى يميز في تاريخه بين الضعيف والصحيح، ومن قبله كان العلامة المؤرخ خليفة بن خياط علمًا من أعلام التاريخ الإسلامي (وهو ثقة عند أئمة الحديث) ولقد ترك للأمة كتابه القيم (تاريخ خليفة) وهو تاريخ حولي - لم يحكم فيه ابن خياط على الأسانيد والمتون ولكنه تجنب روايات المتروكين والكذابين والوضاعين فلم يرو عن أبي مخنف (لوط بن يحيى) وأمثاله. واعتمد في أحايين كثيرة على رواة ثقات معروفين ولقد قام الأستاذ العمري بتحقيق تاريخ خليفة الذي كان مخطوطًا فزاده بهاءً وأظهر قيمته العلمية جزاه الله خيرًا. وكلما راجعنا أسماء المؤرخين عقدًا بعد عقد وقرنًا بعد قرن وجدنا مسألة النقد التاريخي معروفة لديهم وإن لم يعتمدوه كثيرًا بينما نجد النقد واضحًا عند الحافظين الذهبي وابن كثير (خاصة) في كتابه المعروف البداية والنهاية ووصولًا إلى المؤرخين المعاصرين ومنهم الأستاذ العمري صاحب كتاب الخلافة الراشدة التي اعتمد فيها تطبيق القواعد الحديثية على الرويات التاريخية وأشرف على رسائل جامعية كثيرة في هذا المجال. وكذلك انتهج هذا المنهج كثيرون من المؤرخين، وأسماؤهم كثيرة متقدمين ومتأخرين ومعاصرين [صاحب العواصم الإمام المالكي ابن العربي .. محب الدين الخطيب ... إلخ]. ونرى من الضروري هنا أن ندعم منهجنا هذا بنصوص من كتابات العلامة المؤرخ ابن خلدون رحمه الله تعالى: يقول العلامة ابن خلدون رحمه الله تعالى: وكثيرًا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثًا أو سمينًا ولم يعرضوها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها. ويتحدث أيضًا عن الحكايات التاريخية بالذات لأن العلماء تساهلوا فيها فهي ليست كالرواية =