قال العلامة ابن خلدون: والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه إنما هو مراعاة المصلحة العامة في اجتماع الناس واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذٍ من بني أمية. إن بنو أمية يومئذٍ لا يرضون سواهم وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع وأهل الغلب منهم فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها، وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصًا على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع وإن كان الظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة ذلك وعدالتهم مانعة منه. اهـ. (مقدمة ابن خلدون ص ٢١٠). وجزى الله ابن خلدون عن المسلمين وتاريخهم خيرًا فلا نزيد عليه فقد كفانا ردَّ هذه الشبهة، والحمد لله أولًا وآخرًا. ولقد رَوى الطبري أخبارًا في هذه المسألة ذكرناها جميعًا في قسم الضعيف فلا تصح منها رواية ولو واحدة، وفي متونها نكارات وكذلك روى غير الطبري روايات أخرى تتهم سيدنا معاوية بتهم باطلة منها أنه - رضي الله عنه - تحدَّث مع العبادلة من الصحابة من أهل الحل والعقد فأبوا أن يبايعوا ليزيد ولكن معاوية صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إنا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار زعموا أن ابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير لن يبايعوا يزيد، وقد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له" فقال أهل الشام: والله لا نرضى حتى يبايعوا على رؤوس الأشهاد وإلا ضربنا أعناقهم. فقال: "سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالشر لا أسمع هذه المقالة من أحدٍ منكم بعد اليوم"، ثم نزل، فقال الناس: بايع ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر وهم يقولون: لا والله ما بايعنا، فيقول الناس: بلى وارتحل معاوية فلحق بالشام. اهـ. ولو رجعنا إلى أصل الرواية لوجدناها عند خليفة في تاريخه (ص ٢١٣) من طريق النعمان بن راشد عن الزهري عن ذكوان مولى عائشة. ولو راجعنا أقوال أئمة الجرح والتعديل في النعمان بن راشد لوجدناها كما يلي: قال أحمد: مضطرب الحديث روى أحاديث مناكير. وقال النسائي: ضعيف كثير الغلط. وقال ابن معين: ليس بشيء. وذكره العقيلي وابن الجوزي وابن عدي في الضعفاء. قلنا: فإذا كان هذا حال النعمان بن راشد فكيف نعتمد على متن رواية بهذا الإسناد وحتى لا يزعم بعض الناس أننا نكتب التاريخ كما نتمنى وكما يحلو لنا نذكر هنا رأي الأستاذ العش =