وإذا قبلناها نراها تخالف طبع معاوية، فهو لم يكن ليجرد ألف فارس يسير بهم ويجبر الصحابة بهذه الرواية التمثيلية، والذي يبقى أمامنا هو أن نفترض أنه سافر إلى الحجاز، ووجد أسلوبًا حكيمًا يبايع فيه الناس ابنه بمحضر من هؤلاء النفر دون أن يظهروا عدم رضاهم عن بيعته، ودون أن يبايعوه بأنفسهم. والحق أن هؤلاء لم يبايعوا يزيد، ويظهر ذلك في وصية معاوية لابنه حين وفاته، إذ يوصيه بعدم التواني بأخذ البيعة منهم. أهـ[الدولة الأموية (ص ١٦٣ - ١٦٤)]. قلنا: وهذه الرواية التي ناقشها الدكتور العش وشكك في صحتها هي في حقيقة الأمر غير صحيحة الإسناد والمتن والحمد لله. قلنا: وبعد بحث طويل في كتب الحديث والتراجم والتاريخ لم نجد رواية تاريخية صحيحة السند ولا غرابة في متنها أو نكارة سوى رواية واحدة في حلية الأولياء رجال إسنادها ثقات، وهي الرواية الوحيدة (حسب علمنا القاصر) التي تبين ما دار بين معاوية وبقية الصحابة من أهل الحل والعقد من الذين سكنوا بجوار الحرمين الشريفين ولم نجد فيها حشوًا. فقد أخرج الحافظ أبو نعيم من طريق صالح بن كيسان عن الزهري قال: أخبرني القاسم بن محمد بن أبي بكر: أن معاوية أخبر أن عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير، خرجوا من المدينة عائذين بالكعبة من بيعة يزيد بن معاوية، قال: فلما قدم معاوية مكة تلقاه عبد الله بن الزبير بالتنعيم فضاحكه معاوية وسأله عن الأحوال، ولم يعرض بشيء من الأمر الذي بلغه، ثم لقي عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر فتفاوضا معه في أمر يزيد، ثم دعا معاوية ابن الزبير فقال له: "هذا صنيعك أنت، استزللت هذين الرجلين وسننت هذا الأمر، وإنما أنت ثعلب روّاغ لا تخرج من جحر إلَّا دخلت في =