وليس في هذه الرواية ما يؤكد أن معاوية قد أعلن للناس أن هؤلاء الصحابة قد بايعوا ليزيد ولكن فيه أنه - رضي الله عنه - حاورهم ودخل معهم في جدال بالحسنى وتبين له أن بعض الناس يقولون عنهم ما لم يتقولوه، وسنبين فيما بعد أسباب امتناعهم ثم قبول بعضهم البيعة فيما بعد. أصول السياسة الشرعية كانت واضحة لا كما يقول المستشرقون ومن تأثر برأيهم من أن فقهاء الأمة استحدثوا هذه الأصول بعد قرون. قلنا: إن الحوار الطويل والنقاش الذي دار بين مؤيدي ولاية العهد ليزيد وبين معارض ذلك من الصحابة يدلان دلالة واضحة على أن مسألة الشورى في الحكم، وأصول السياسة الشرعية الأخرى كانت واضحة المعالم عند السلف الصالح لعلمهم الجمِّ بأدلة الكتاب والسنة لا كما يقول الدكتور الموصلي من الجامعة في بيروت من أن بعض مسائل السياسة الشرعية ابتدعها الفقهاء بعد قرون عدة من أمثال الماوردي وغيره والمناقشة التي دارت في سقيفة بني ساعدة بين الصحابة - رضي الله عنهم - وما تمخضت عنها من نتائج وكذلك استخلاف أبي بكر لعمر - رضي الله عنه - وترك عمر الأمر شورى بين عددٍ من أهل الحل والعقد، وطلب سيدنا علي من أهل الحل والعقد وغيرهم من وجهاء الأمة أن يبايعوا له علانية من على المنبر وبرضىً منهم، وكذلك ما دار بين الموالين لتولية يزيد والمعارضين لذلك من الصحابة كل ذلك على ثبوت فقه الحكم وإدارته من ذلك العهد المبكر اعتمادًا على أدلة الكتاب والسنة وسنرى ذلك خلال مناقشتنا لهذه الروايات التاريخية القيمة الثمن ومنها: أخرج البخاري في صحيحه [كتاب التفسير (ح ٤٨٢٧)] عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئًا فقال: خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: {وَالَّذِي قَال لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} فقالت عائشة: من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن إلَّا أن الله أنزل عذري. قلنا: والشيء الذي قاله عبد الرحمن بن أبي بكر هو ما بينته رواية ابن أبي حاتم عن عبد الله بن المديني قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيًا حسنًا وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر عمر فقال عبد الرحمن بن أبي بكر، أهِرَقلية؟ إن أبا بكر والله ما جعلها في أحدٍ من ولده ولا أحدٍ من أهل بيته =