للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= والذي يهمنا هنا أن نثبت الحقائق كما أخبرت الروايات الصحيحة وأن ننفي عن التاريخ الإسلامي المبالغات والإفتراءات والتزوير والكذب وتشويه الحقائق التاريخية، والله المستعان.
قبل أن نذكر تفاصيل الوقعة نود أن نذكر كلامًا وجيزًا للمؤرخ خليفة بن خياط وهو يصور لنا الوضع السياسي للمدينة المنورة قبل حدوث المعركة ببرهة زمنية قصيرة.
قال خليفة بن خياط: قال أبو اليقظان: دعوا إلى الرضا والشورى وأقروا على قريش عبد الله بن مطيع العدوي وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة وعلى قبائل المهاجرين معقل بن سنان الأشجعي، وأخرجوا من المدينة بني أمية، وقال غيره خلعوا يزيد فأرسل إليهم جيشًا عليه مسلم بن عقبة، [تاريخ خليفة (٢٣٧)].
قلنا: ولقد بالغت بعض كتب التاريخ في أرقام وأعداد القتلى في هذه الوقعة ولقد أخذنا على أنفسنا أن نرفض الأخبار إن لم تكن مسندة موصولة صحيحة فيما يتعلق بأحداث الفتنة إذ الفتنة مرتع خصب للوضاعين والكذابين والحاقدين على أعلام التاريخ الإسلامي علمًا بأننا تساهلنا في قبول الوفيات بدون إسناد واكتفينا بذكر تلك الوفيات في مصدر تاريخي متقدم موثوق أو عدة مصادر لأننا على يقين أن موت صحابي أو تابعي يترك أثرًا كبيرًا في نفوس معاصريه فتبقى في ذاكرتهم تلك السنة التي توفي فيها.
وبالذات في هذه الوقعة الشهيرة فإن المؤرخ المتقدم الثّقة خليفة بن خياط قد ذكر أسماء الذين قتلوا في هذه الفاجعة ولا يتجاوز عددهم الأربعمئة، فلماذا كل هذه المبالغات؟ ولماذا هذا التهويل؟ ولماذا هذا التشويه للحقائق التاريخية ثم إن في متون الروايات التاريخية (التي تبالغ في ذكر أعداد القتلى) نكارة شديدة فالمدينة المنورة كباقي مدن الحجاز شديدة الحرارة ولم يكن يومها للناس فرق انتشال الضحايا أو ثلاجات ضخمة لحفظ الجثث فكيف لا تتعفن آلاف الجثث، وكيف لا يمتلئ جو المدينة بالعفونة، وكيف لا تتفشى الأمراض المعدية وكيف يستطيع الناس العيش في المدينة بسهولة بعد الحادثة وآثار آلاف الضحايا قريبة شاخصة حقًّا إن الوضاعين والكذابين يتركون ثغرات في رواياتهم فتتكشف عوراتهم بالإضافة إلى ضعف الإسناد ومن المتعارف عند علماء الحديث وأئمة النقد أن الرواية تتعرض لتمحيص السند والمتن قبل القبول بها ومن خلال المتون يحكم العلماء على الرواة والله أعلم.
ونضرب مثالًا على ذلك فنقول مما لا شك فيه أن الأخباري الصدوق المدائني كغيره كثير من معاصريه جمعوا الروايات دون تمحيصها وهو يروي في هذه الحادثة عن شيخ من أهل المدينة أنه سأل الزهري كم كان القتلى يوم الحرة؟ فيجيب الزهري أكثر من عشرة آلاف! ! ! قلنا: أما الشيخ الذي سأل الزهري فمجهول فكيف نعتمد على أمثال هذه الرواية في تثبيت هذا العدد الضخم؟ . =

<<  <  ج: ص:  >  >>